تحدثنا في عددٍ سابق عن العالِم الألماني فيبر وتمت الإشارة إلى مفهوم (الانغلاق الاجتماعي) ولعل من أبرز ما يمكن العمل عليه هو أن نفهم كيف يؤثر ذلك على الممارسات الدينية تحديداً. إن اليهودية تعملُ على عزل الفكر الديني وتغذيته بطريقة راجعة تخدم مصلحة الدين ومثاله تكوين منطلقات دينية ترسم معالم الثقافة والاجتماع والسياسة, وهذا لا يعيب الأديان إذا قامت بنصوص العدالة. الانغلاق الاجتماعي في المجتمعات المسلمة يُرى بوضوح بسبب وجود نحو 57 دولة إسلامية تستخدم الدين الإسلامي كمعيار للاستبعاد وهذا يتضح جلياً باتخاذ كل عقيدة ومذهب وفكر أنشطة تستقل بها عن غيرها لتخلق عزلا فكريا, لهذا تمت الإشارة في مؤتمر الحوار بين المذاهب الإسلامية الذي عقد بالدوحة عام 2007 بالتوصية العاشرة الى دعم فكرة الوحدة والتقريب بين المذاهب الإسلامية, وهذه التوصية هي محاولة للخروج من دائرة الانغلاق, ومن هذا المنظور فإن المجتمعات الإسلامية تفتقد إلى مقومات الفكر والقدرة على الفهم الشمولي, لذلك نجدُ رئيس وزراء ماليزيا السابق داتو سري عبدالله يضع المبادئ العشرة لمشروع نهضوي يسمى ب (الإسلام الحضاري) كمحاولة للتغيير والخروج من العزلة الفكرية, وبغض النظر عن التأييد والمخالفة فالانغلاق الفكري أوجد صراعا بين التيارات الإسلامية يرتبط بمدى الانتصار الذي سيُحقق على الخصم وليس من أجل تغيير المفاهيم, لذلك يتم إلباسها قدسية الصراع بين (الحق والباطل). عاشت المجتمعات الإسلامية في دائرة الانغلاق الفكري سنوات طويلة و(ربما) كان ذلك سبباً في وجود الإسلام المذهبي عقودا. إنّ الصراعات الإسلامية القائمة تجسّد واقع الانغلاق الفكري وبالتالي كلما بحث المجتمع عن نافذة للتغيير للأفضل تقوم هذه الصراعات بإغلاق أبواب التغيير وتمجيد الصراعات لتمارس الانغلاق والعزلة الفكرية والقيام بمثل هذه الأعمال هي نتيجة لتراكمات يصعب التخلص منها. الخروج من دائرة هذا الانغلاق الحاجة داعية إليه في ظل وجود أزمات فكرية تعصفُ بالمجتمعات المسلمة لذلك كان لزاماً على المتخصصين أن يدركوا حجم الأزمة الفكرية التي تمر بالعالم الإسلامي والتي قد تتضاعف مع تضاعف هذه الصراعات والقيام بصناعة الحلول, ولعله من المناسب أن أختم بقول الدكتور محمد عمارة في كتابه (أزمة الفكر الإسلامي المعاصر) «لا نغالي إذا قلنا إن إجماعاً يكاد ينعقد على الفكر الإسلامي يعيش في أزمة» .