عند بداية تأسيس الدولة الإسلامية بعد هجرة الرسول «صلى الله عليه وسلم»، كان أول ما أمر به بناء المسجد، وكان المسجد هو نقطة انطلاق أساسية للمدينة المنورة التي كانت عاصمة الدولة الإسلامية في ذلك العهد. وبعد انتقال مقر الحكم إلى دمشق وبغداد وغيرهما من العواصم الإسلامية، كان أول ما بدأ به هو بناء المسجد نظراً لكونه نواة التخطيط في جميع العصور الإسلامية. ومع زيادة رقعة الدولة الإسلامية، وامتداد مساحتها الجغرافية أخذ طراز عمارة المساجد في التنوع حسب البيئة التي يتم البناء فيها. ومن هذا المنطلق وما لأهمية بناء المساجد من فضل عظيم، يتميّز بعض المعماريين في بناء المساجد من حيث الأسس والتصميم والاعتبارات التصميمية، لذا قام ملحق «آفاق الشريعة» بعمل هذا الحوار مع المهندس حامد بن حمري ، فإلى الحوار : ما تقييمك لدور المسجد هذه الأيام؟ وهل يقوم المسجد حاليا بالدور نفسه الذي كان يقوم به في السابق، حيث كان يتجاوز دوره كونه مكانا للعبادة إلى ما هو أعم وأشمل في حياتنا نحن المسلمين؟ هذا السؤال مهم ويحتاج إلى مجلدات للإجابة عنه، لكن أستطيع التأكيد على أن دور المسجد حاليا تقلص إلى أقصى درجة، وبات اليوم مكانا للعبادة فقط، بعكس الدور الذي قام به المسجد في عهد الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم) ومن بعده الصحابة - رضوان الله عليهم - حيث كان المسجد يشهد أنشطة كثيرة، تخص حياة المسلمين، فكان بجانب كونه مكانا للعبادة وأداء الصلوات الخمس، كان مكاناً لاجتماع المسلمين، للتشاور في أمورهم، وبحث قضاياهم، وعقد مناسباتهم الاجتماعية المختلفة من زواج واحتفالات معايدة، ولأهمية المسجد في السابق، كان محيط أي مسجد يشهد افتتاح أنشطة تجارية متعددة، مثل المحلات والأسواق والمدارس إلى آخره. أما اليوم، فأصبح المسجد مكانا للصلوات الخمس فقط، وإلقاء بعض المحاضرات الدينية والدعوية، ليس أكثر، بينما تقلص دوره الاجتماعي، ولم يعد مكانا لمناسبات المسلمين كما كان في السابق.
وكيف السبيل إذا لإعادة الدور المفقود للمسجد من جديد بحيث ينشط الجانب الاجتماعي فيه؟ لابد من ترسيخ مبدأ أن المسجد ليس للصلاة فقط، في أذهان المسلمين كافة، ولنشر هذا المبدأ، نحتاج الى أن ننشئ في كل حي عدداً من المساجد متعددة المساحات والاستخدامات، واستغلالها في المناسبات الاجتماعية المختلفة، حسب مساحة كل منها، مع مراعاة أن تتضمن هذه المساجد أماكن لممارسة الأنشطة الاجتماعية للشباب ولأهالي الحي، فلا مانع من إلحاق صالات رياضية بهذه المساجد، حتى يمارس الشباب والرجال أنشطتهم، كلٌ حسب هوايته، خاصة في الإجازة الصيفية، وكذلك بناء مدارس لتحفيظ القرآن الكريم للجنسين، وعيادات طبية متعددة التخصصات، لتقديم خدماتها للمرضى، وإنشاء مكاتب للدعوة والإرشاد، ولابد أيضا أن تعود الأنشطة التجارية في محيط المساجد كما كان في السابق، لتوافر السلع والخدمات المختلفة للمصلين، وهذا يتطلب أن تحتل المساجد مراكز الأحياء، حتى يمكن الوصول إليها بسهولة.
وكيف ترى معايير تصاميم إنشاء المساجد حاليا مع مقارنة هذا مع المعايير المستخدمة قديما؟ للأسف الشديد، لا توجد معايير تصميمية في إنشاء المساجد اليوم، حيث طغت العشوائية في عمليات البناء والتشييد، وبعض المساجد لدينا تقليدية جداً، وتفتقد إلى لمسات الجمال والابداع في التصميمات الخارجية، أو التجهيزات الداخلية، والبعض الآخر، لا يلقى أي اهتمام من حيث الصيانة أو النظافة أو الفرش أو اختيار الأثاث، وقد نجد أن بعض أئمة المساجد والمؤذنين فيها يتم تعيينهم بالواسطة، ولا يقومون بمهام وظيفتهم في إمامة المصلين في الصلاة أو رفع الأذان في أوقاته. وما تقييمك لدور وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد في الاهتمام بالمساجد والعناية بها؟ كما نعلم جميعا بأن الوزارة وضعت برنامجا للعناية بالمساجد وصيانتها في جميع مناطق المملكة العربية السعودية، تحت مسمى «برنامج خادم الحرمين الشريفين لصيانة المساجد»، وهذا البرنامج أوجد فرقا شاسعا بين المساجد التي ترعاها الوزارة، وبين المساجد التي تقع رعايتها على الأفراد الذين تولوا بناءها، وحاليا الوزارة بدأت عمل برامج معينة، لتشغيل المساجد بأقل كلفة في استهلاك الطاقة. فعلى سبيل المثال، تسعى الوزارة لتوفير الطاقة المستهلكة في أجهزة التكييف والإضاءة عن طريق الاقتصار على الأجهزة التي تلبي حاجة المصلين وفق عددهم، والتأكد من عدم وجود طاقة مهدرة في الفترة من صلاة الفجر، حتى صلاة الظهر، وهذا البرنامج بدأ تنفيذه من قبل القائمين على المساجد الخاصة. ذكرت إن بعض المساجد تكتنفها عشوائية التصاميم.. ماذا تقصد بهذا الأمر؟ أعني أنها لا تتمتع بلمسات جمالية تعلي من الشكل النهائي للمسجد، وتلفت أنظار المصلين له، وتحببهم في شكله، وأعني أيضا أن بعض المساجد لا تهتم بما فيه الكفاية بالقسم الخاص بالنساء، فتخصص مساحات كبيرة لقسم الرجال، وجزءا صغير جدا لقسم النساء، الذي قد يغلق في معظم الأوقات، وأستغرب من بعض الخيرين الذين يبنون مساجد يصل متوسط كلفتها الى أربعة ملايين ريال، في الوقت نفسه، لا يخصص سدس أو ثمن هذا المبلغ لتهيئة مصلى للنساء، فلابد أن يكون هناك نوع من التوازن بين متطلبات المصلين والمصليات. هل تؤيد أن تنعكس البيئة المعمارية للأحياء على ملامح بناء المساجد في الأحياء نفسها؟ أم أن يكون للمسجد شخصيته المستقلة؟ المساجد في المملكة، ليس لها طابع معماري واحد، إذ تترسخ فيها مدارس معمارية مختلفة. فالمسجد النبوي - على سبيل المثال - يتميز بالطابع التركي. أما المسجد الحرام، فيضم عدداً من المدارس المعمارية، مثل العمارة الاندلسية والمصرية والتركية والنجدية وغيرها، واليوم نشاهد مساجدنا تتخذ أشكالا متنوعة ومدارس متعددة، وللأسف أن مساجدنا اليوم تفتقد الكثير من جوانب التكنولوجيا الحديثة في البناء والتجهيزات، مثل استخدام مواد بناء تقلل من استهلاك الطاقة الكهربائية، واستخدام أجهزة تعمل آليا توفر استهلاك الطاقة.
ذكرت إن دور المساجد الاجتماعي تقلص كثيراً .. هل هذا بسبب اختلاف الأجيال؟ بالطبع اختلاف الأجيال أثر في النظرة العامة للمسجد، والدور الذي يقوم به. الأجيال في السابق آمنت بدور المساجد، واعتادت على هذا الدور وآمنت به وتفاعلت معه. أما الأجيال الحالية، فلم تتعود على هذا الدور، وأعتقد أن الأئمة ساهموا في تغييب دور المساجد، بسوء إدارتهم لها، وعدم تفعيل هذا الدور بما هو مطلوب.
وما وضع المساجد في الوقت الحالي حسب رؤيتكم الشخصية؟ وضع المسجد يختلف حسب الحي الذي يوجد فيه، فإذا كان الحي جيدا في شكله وتصميمه ونظافته ودرجة العناية به، كان المسجد الموجود فيه كذلك، والعكس صحيح، وهذا يؤيد مقولة: إن المسجد امتداد طبيعي لمستوى الحي، يتأثر به سلبا أو إيجابا، يضاف إلى ذلك أن المساجد التابعة لوزارة الشؤون الإسلامية، نجد أنها تتخذ أحد ثلاثة نماذج هندسية، تتكرر في جميع المساجد، بينما المساجد التابعة للأفراد الخيرين، تحظى بتنوع التصاميم والبناء، حسب رغبة كل فاعل خير يريد أن يبني مسجداً بشكل معين. في الوقت نفسه، نجد بعض الراغبين في بناء المساجد، ليس لديهم الملاءة المالية لبناء مساجد على مستوى معين من الشكل الخارجي والتجهيزات الداخلية، فيضطر لبناء مسجد متوسط الحال بكلفة متواضعة، ومن هنا يجب أن تتدخل الوزارة، لوضع معايير لبناء المساجد، وإلزام فاعلي الخير بها. كما يجب على هؤلاء الخيرين إنفاق الميزانيات المرصودة لبناء المسجد في الأشياء المطلوبة، وليس في أشياء جمالية لا يستفيد منها المصلون. وما أفضل التصاميم التي أثبتت جدوى في بناء المساجد؟ هناك تصاميم كثيرة جميلة ومحببة للنفس، لكن التصاميم المربعة والمستطيلة هي التي أثبتت جدواها، وأصبحت منتشرة في بلادنا وفي البلاد المسلمة، خاصة إذا عرفنا أن أفضل الصفوف في المسجد، هي الصفوف الأولية، والمساجد المربعة والمستطيلة تستوعب أعداداً أكبر في الصفوف الأولى، بينما المساجد المثلثة الشكل، لا يمكنها تحقيق هذا الأمر. في الوقت نفسه، ليس لدينا مساجد على شكل دائري، لأن صفوفها الأولى لا تستوعب الكثير من المصلين، والمساجد لدينا تفتقد إلى جودة العمل، وجودة التصميم. كما تفتقد أيضا كما ذكرت سابقا إلى شمولية الخدمات، بحيث يكون المسجد مركزاً ثقافيا واجتماعيا بجانب كونه دار عبادة لأداء الصلوات الخمس، على أن يشارك أبناء الحي كافة في الأنشطة التي يوفرها المسجد، من رياضية واجتماعية، ويستفيدوا من الخدمات التي يوفرها هذا المسجد. ومن هنا أطالب بإعادة دور تصميم الأحياء في ضوء ما يوفره المسجد من خدمات، على أن يتوسط المسجد هذه الأحياء، حتى يمكن أن يستفيد منها أهالي الحي.
هناك تنافس بين بعض الخيرين في بناء المساجد وضخ أموال طائلة فيها ليتفوق كل رجل أعمال على الآخرين .. فما رأيك في هذا النوع من التنافس؟ هذا التنافس في صالح عمارة المساجد، وشكلها الخارجي والداخلي، وأعتقد أنه لا يجوز التباهي في بناء المساجد، والإسراف فيها دون فائدة تعود على المصلين وأبناء الحي، إذ لابد أن تكون هناك حكمة في عمليات الصرف والانفاق على أجزاء المسجد، بما يتواكب مع حاجة المصلين، والأفضل من إنفاق الملايين في أشياء جمالية، أن تُستغل في بناء ملحقات المسجد، من دار مناسبات، وملاعب رياضية، وعيادات طبية، وأماكن لتحفيظ القرآن الكريم، وغيرها من الخدمات. ما الشروط الأساسية التي يجب أن تتوافر في بناء مساجد نموذجية؟ أهم شروط بناء المساجد، توافر مواقف للسيارات، وتوافر مداخل ومخارج عدة، ودعم المسجد بوسائل الأمن والسلامة، تحسبا لوقوع أي طارئ - لا قدر الله - ووجود مسطحات خضراء للزينة ولامتصاص الملوثات في الجو، وأعتقد أننا في حاجة إلى ورش عمل لبلورة معايير وشروط ومتطلبات المساجد وانتشارها، وتثقيف الناس بها، لمراعاتها قبل البدء في بناء أي مسجد.
كيف ترى الفرق بين مساجدنا والمساجد في دول الخليج وتحديداً مدينة دبي؟ لا فرق بين مساجدنا ومساجد دبي، سوى أن مساجدهم بها اهتمام كبير في جودة العمل والتشطيبات الداخلية، وأعمال الصيانة والنظافة الدائمة، وهذه الأشياء تحافظ على المظهر العام لمساجدهم، بينما يحدث العكس في بعض مساجدنا التي لا تجد الاهتمام الكافي في الأمور التي ذكرتها، وهذا يعطي ميزة كبرى لمساجد دبي، التي تلفت الأنظار إليها وإلى تجهيزاتها وتشطيباتها الداخلية. وقد زرت دبي وصليت في بعض مساجدها، وكنت شاهداً على هذا الاهتمام بنفسي. هل أنتم على استعداد لمساعدة أي شخص على بناء مسجد جديد ومنحه تصاميم جاهزة يستعين بها؟ نحن على استعداد لدعم أي إنسان يريد أن يحصل على تصميمات جاهزة في بناء مساجد متميزة ومتكاملة الخدمات، خاصة أن الكثيرين من فاعلي الخير، ليس لديهم أي خبرات في متطلبات المساجد ومعايير بنائها، وهذه التصاميم نمنحها بالمجان، ولا نطلب مقابلا لها. وبهذه المناسبة أكرر ما سبق أن طالبت به، وهو ضرورة إعادة تصاميم الأحياء السكنية بحيث تكون مرتكزة على المساجد، مع مراعاة هذا الجانب في الأحياء الجديدة قبل تصميمها، بما يخدم المجتمع المسلم، وجميع الأهالي، بدلا من التركيز على الجوانب الجمالية فقط.