عنوان هذه المقالة يعكس أن هناك تفاوتا في التوصل إلى صيغة تعريفية محددة لمصطلح التدريب بمفهومه الشامل إذ في خضم الأدبيات المتاحة عن التدريب سواء العربية منها أو الأجنبية تعددت المفاهيم والمعاني حول مفهوم هذا المصطلح العجيب، ومن كثرة تعدد هذه المفاهيم أضحى بعض المسؤولين يعملون على رصد تعريف أو مفهوم معين لمصطلح التدريب لأغراض مؤلفاتهم على وجه التحديد.. ولقد ساعد ذلك كثيرا على اتنشار مفاهيم متعددة لهذا المصطلح. ولعلنا نؤكد هنا أن التدريب من المفاهيم التي تتسم بالغموض والتداخل مع غيرها من المفاهيم السائدة في مجال تنمية الموارد البشرية وتنمية المهارات والكفاءات بمستوياتها المختلفة ولاشك في أن تنوع التفسيرات وتزايدها واختلافها باختلاف المداخل أو الغاية المستهدفة من وراء التحليل تستدعي جهدا كبيرا لتوضيح الفوارق والاختلافات بين هذه المفاهيم ولعل كل ذلك يقودنا إلى حتمية الوقوف على مفهوم محدد لمصطلح التدريب قبل الخوض في غمار مناقشاته لكي تتم المناقشة على ضوء مفهوم محدد على الأقل لهذه المقالة. وتختلف الأدبيات ذات العلاقة حول تحديد مفهوم متقارب لمصطلح التدريب إذ يذهب البعض الى أنه عملية مستمرة ويتعين على الموظف التعليم باستمرار لتطوير قدراته مدى حياته العملية في حين يرى الآخر أن التدريب عبارة عن عمليات تعلم معارف وطرائق وسلوكيات جديدة تؤدي الى تغيرات في قابليات الأفراد لأداء أعمالهم في حين يذهب الطرف الثالث إلى أن التدريب عبارة عن صيغة مباشرة يتم من خلالها تكوين أو تعديل أو تحديث مهارات سلوكية هامة للفرد وللمؤسسة التي يخدمها معتمدا في ذلك على طرق وأساليب عملية تطبيقية، إذ ينبغي أن يرقى التدريب بالفرد الى درجة الإتقان وهي سمة من سمات هذا العصر حيث يفرض نظاما يتطلب قدرة على درجة عالية من الإدراك والتبصر يتولد عنها إتقان العمل. إن من الضرورة بمكان التأكيد هنا على ضرورية التدريب لصقل وتنمية القدرات والكفاءات البشرية في جوانبها العلمية والعملية والنفسية والسلوكية بل بالإمكان أن يطلق على عملية التدريب بأنها تلك العملية الهادفة لإيجاد قوى بشرية ذات مواهب وقدرات عالية ترتبط ارتباطا وثيقا بمستوى التعقيد التكنولوجي الذي تتميز به الحياة العصرية في وقتنا الحاضر وبالتطوير التكنولوجي الذي يتسم به التنظيم الاجتماعي. والتدريب بالطبع ترتبط نتائجه بتطوير المنشأة اذ أن تدريب وتطوير الكفاءات البشرية يهدف الى تحسين أداء المنظمة بل نعتقد أن اهم عناصر المنافسة الاقتصادية في المستقبل سترتكز على عنصري التعليم والتدريب للقوى العاملة وإكسابها المعارف والمهارات التي تعينها على أداء واجباتها بأفضل الطرق والوسائل. ولعلنا نقف على حقيقة هنا أن كل الجهود التدريبية الموجهة لتحسين اداء العاملين وبالتالي ترك تأثيرات على تطوير اداء المؤسسة ترتبط بتزويد هؤلاء العاملين بالمعارف والمهارات مع تجاهل عنصر ثالث هام جدا وهو المواقف والاتجاهات لدى هؤلاء العاملين. ان عنصر الاتجاهات والمواقف لا يمكن تجاهله لكونه لا يقل أهمية عن المعارف والمهارات المستهدفة للتدريب فكيف لنا ان نتصور فردا مزودا بكافة المعارف والمهارات لوظيفة محددة لكنه يتبنى موقفا او اتجاها سلبيا تجاه هذه الوظيفة أو تلك. وبشكل عام فإن المعارف والمهارات تتجه الى تمكين المتدرب من القيام بمهام محددة في حين ان الاتجاهات والمواقف والمرتبطة عادة بالتدريب السلوكي فتعنى بالاتجاهات والافتراضات نحو الذات والآخرين والعمل. ويتمحور ذلك حول تغير الاتجاهات والسلوك وفي هذا المجال على سبيل المثال تطوير المهارات المتعلقة بفهم الآخرين او زيادة الوعي لديهم بالأنماط الشخصية المختلفة وتأثيراتها على اداء العمل او زيادة الالتزام لديهم بالأهداف والقيم التطبيقية. اذا نصل الى نتيجة مفادها أنه ينبغي علينا عدم الفصل بين عناصر التدريب المختلفة سواء كانت مهارات او معارف او اتجاهات أو مواقف. والاختلافات حول مفهوم التدريب لا يقتصر على الالفاظ والمعاني بل وصلت درجة الاختلاف الى المساس بالمعنى والهدف الرئيسي من التدريب خاصة ان علمنا بأن العديد من التعريفات أضحى لا يفرق بين مستويات التدريب. ومن خلال إطلاعي العميق على معظم من تناولوا مسألة التعريف وصلت الى حقيقة مفادها أن هناك تركيزا غير مبرر على مستوى التدريب أثناء الخدمة وكأن التدريب لم يوجد إلا لتطوير اداء العاملين اثناء الخدمة حتى يلاحظ كل متابع أن العديد من التعريفات تتناول مفهوم التدريب من هذه الزاوية الضيقة جدا، اذ ان هناك تجاهلا كبيرا لمرحلة التدريب قبل الخدمة وان اختلفت المصطلحات حول ذلك, وينبغي ان نضع خطا فاصلا بين مرحلة التدريب ما قبل الخدمة وبعدها، وهذا ما سنتناوله في الجزء القادم بإذن الله.