(ملعونة كل السكاكين والنذل الذي اخترعها.. والبنادق والمسدسات واصغر سكين، وحتى المعازق والمذرات.. وكل شيء يشرح جسد رجل.. رجل وسيم مفعم بالحياة الشابة يخرج الى كرومه او الى بساتين زيتونه). يرد الكلام السابق على لسان الام في مسرحية (عرس الدم) لفيدريكو غارسيا لوركا. تذكرت لوركا وافلام العنف والدراما والتراجيديا الاغريقية بالذات وانا اتابع تطورات الموقف في العملية الارهابية الشيشانية في المسرح في موسكو. قفز العنوان (عرس الدم) الى سطح الذاكرة مع تدفق الاخبار عن احتجاز الشيشانيين للمؤدين في المسرحية الموسيقية (نورد اوست) والنظارة والتهديد بقتل الروس ان لم تستجب الحكومة الروسية لمطلبهم بوقف الحرب في الشيشان. ورحت افكر ان العالم يشاهد عرضا مسرحيا كل المؤشرات تشير الى نهاية دامية مأساوية له، فمن المستبعد اذعان روسيا وكذلك خروج الخاطفين بسلام. وجاءت النهاية لتؤكد الواضح والمتوقع وهو ان العملية عرض بالغ العنف والقسوة. قد يبدو ان مقارنة تلك العملية بالدراما تعبير عن الاستخفاف بما حدث، ليس الامر كذلك في الحقيقة فالدراما تخسر في هذه المقارنة فاين الاستخفاف؟ لقد فاق العنف في تلك العملية اشكال العنف في المسلسلات والافلام التي نحملها عادة المسؤولية تجاه العنف في الواقع. لقد تفوق العنف فيها، كما في غيرها وفي الحروب، على العنف والقسوة المتخيلين والموهم بواقعيتهما. ذهب الناس الى المسرح للفرجة والمتعة فوجدوا انفسهم شخصيات ضحايا في (عرض دم) حقيقي يتقاطع مع المأساة الاغريقية ويفارقها في اكثر من نقطة وملمح. فصور الشيشانيين بالاقنعة تذكر بالممثلين في المأساة الاغريقية مع اختلاف الغايات في كل حالة. فالممثل الاغريقي كان يرتدي القناع لانه يؤدي اكثر من دور، اما الخاطف الشيشاني فالهدف التنكر واخفاء شخصه. وفيما البطل في المأساة من (علية القوم) او شخص غير عادي، كان الشيشانيون اناسا عاديين يطمحون إلى ان يكونوا غير عاديين بالاستشهاد او بالبطولة لو تحقق مطلبهم. ويتقاطع (عرض الدم) مع المأساة في (وحدة المكان): ابتداء الحدث وانتهاؤه في مكان واحد. ويفارقها باختراقه (وحدة الزمان) كما يختلف بتساوي زمن الحدث مع زمن العرض. ويلتقي الاثنان عند الجوقة مع اختلاف واضح بينهما، فالجوقة في المأساة احد عناصر العرض وفي نفس المكان، اما جوقة (عرض الدم) فخارجه واقصد وسائط الاعلام المختلفة. ويتصاعد الصراع الى الذروة، الازمة، او نقطة التحول ولم تلح بادرة للانفراج في الموقف وفق التصور الشيشاني الاول وهو ايقاف الحرب، ليجد الخاطفون انفسهم في مواجهة الخيار الثاني وهو قتل الرهائن. ولكن وما ان يشرعوا في القتل حسب التصريحات الروسية، الا والغاز غمامة تملأ المكان ليسقط المختطفون ومائة وزيادة من الرهائن قتلى، لم يميز الغاز الروسي بين خاطف شيشاني مسلم ومخطوف روسي (كافر). تذكر طريقة دخول (خلية الأزمة) الروسية من فجوة بالجدار بما يعرف في المسرح الاغريقي والروماني ب (Deus Ex Machina) (آلة من الآلة/ الماكينة). لقد دفع دخول (خلية الازمة) الازمة في الحدث في مسار مختلف مؤديا الى نهاية لم تخطر في ذهن معد ومخرج النص الشيشاني، فيما استمرت الجوقة الاعلامية تحلل وتعلق كما كانت تفعل اثناء العملية (عرض الدم).. الكتابة لم تنته.