حينما تم ادراج دروس الوطنية في مقررات التعليم العام كان الهدف من ذلك هو تعليم ابنائنا معنى الانتماء والولاء للوطن الذي عاشوا فوق ترابه وترعرعوا من خيراته كسلوك وممارسة، وهذا لا يعني - بطبيعة الحال- أن تدريس مثل هذه المادة يقوم على اساس عدم وجود ولاء للوطن لدى البعض او جهل البعض الآخر باهمية هذا الأمر، فالولاء للوطن من البديهيات الفطرية والمسلمات الايمانية التي تولد مع كل انسان وتشكل جزءا من ذاته ووجوده الذي يعيش في كنفه ويموت من اجله ولكن مفهوم ممارسة الولاء كسلوك حضاري وموجه تنموي قد يتطلب تعزيز الوعي بهذا الولاء والانتماء وتطويره بما لا يدع مجالا لأي مواطن للخطأ والشك والاشتباه ولو عفويا. ان كل مواطن يعرف ويعي من الناحية المبدئية معنى الولاء للوطن والانتماء اليه وميادين المعرفة لديه كثيرة في هذا الصدد، فالكل يعلم ويؤكد ان الوطنية تعني احترام المواطن للقانون والنظام، وتعني احترام المواطن للقيادة، وتعني احترام المواطن لاخيه المواطن حتى ولو اختلف معه في اللون والمنشأ وتعني احترام المواطن لمقدرات وطنه، وتعني بما هو اشمل احترام المواطن لكل ما يمثله الوطن من تراب واسم ورمز وعنوان، ولكن يبقى التساؤل هل يتساوى الجميع في الممارسة الواعية لهذا الولاء والانتماء؟ وهل يتم تعزيز هذا الوعي من خلال الدروس النظرية، وهل الدروس المدرسية كفيلة وحدها بتحقيق مثل هذا الهدف العظيم. انني أظن ان دروس الوطنية على أهميتها من الناحية المبدئية غير كافية لتحقيق الهدف منها وقد يرجع ذلك لسببين احدهما يتعلق بمحتوى هذه الدروس حيث انها تفتقر للمادة التعليمية المناسبة، والسبب الآخر يتعلق بالآلية حيث انه لا يجوز الاقتصار عليها لأن تنمية السلوك الواعي لا تتم بأي حال من الاحوال من خلال الدروس النظرية فقط، بل لابد من التدريب والتطبيق والمعايشة الواقعية. ان تطوير مادة الوطنية قد يتحقق من عدة محاور يجدر التأكيد عليها والأخذ بها كمنظومة متكاملة لا ينبغي ترك اي منها او التغاضي عنها لان ذلك يعني التراجع عن بلوغ الهدف المنشود، وقد تشتمل هذه المحاور على مايلي: 1/ تطوير مقررات مادة الوطنية بحيث يتضمن ذلك تدريس النظام الاساسي للحكم ونظام مجلس الشورى ونظام المناطق كمادة حيوية يتعلم من خلالها الطلاب كمواطنين ما لهم من حقوق يتوجب عليهم الأخذ بها وما عليهم من واجبات ينبغي عليهم الوفاء بها، والتأكيد على أن المواطن هو محور النظام وهدفه وغايته. 2/ التأكيد على ان التنمية والمحافظة على مكتسباتها هي من المبادىء الأولية التي يجب ان يتدرب الطلاب على كيفية المشاركة فيها والتعايش معها مثل المشاركة في أسبوع الشجرة وأسبوع النظافة وأسبوع الأمن والمرور وماشابه. 3/ التأكيد على ان الدفاع عن الوطن هو واجب عيني يشترك فيه الجميع ولابد من وضع الآلية المناسبة لتمكين الجميع من ممارسة هذه المسئولية متى ما استدعت الحاجة اليها. وفوق كل ذلك ينبغي التأكيد على الانضباط والأمانة والمصداقية في ممارسة كل راع لمسئولياته تجاه من ينضوي تحت سلطته ورعايته، ابتداء من الوالدين في المنزل ورجل الأمن في الشارع والمدرس في المدرسة والقاضي في المحكمة والداعية في المسجد وانتهاء بالموظف في كل مواقع المسئولية، وان التعقيد والتهاون والتفريط في ذلك هو اخلال بالوطنية وعدم المحاسبة على ذلك تضييع لها.