الانتحار واحد من الأمور التي يواجهها الطبيب النفسي خلال عمله ، نظراً لأن نسبة عالية من المنتحرين هم من الأشخاص الذين يُعانون من الاضطرابات النفسية والعقلية ، حيث ان أكثر من 35% من المنتحرين يقومون بذلك نتيجة الاضطرابات النفسية والعقلية. خلال عملي مرّ عليّ بعض الأشخاص ؛ نساء ورجال كانوا يُعانون من اضطرابات نفسية وعقلية ، كنتُ أتوقع أن ينتحر هؤلاء المرضى ، وفعلاً انتحر بعض منهم وكنتُ أشعر بالألم لمعرفتي بأن هؤلاء المرضى مُسبقاً بأنهم سوف ينتحرون. الأمراض النفسية والعقلية هي السبب الأكثر للانتحار ، ويتربع على قائمة الأمراض والاضطرابات العقلية والنفسية في أسباب الانتحار هو الاكتئاب. الاكتئاب مرض منتشر بشكلٍ كبير بين عامة الناس ، ويُشكّل الاكتئاب المرض الثاني بين الاضطرابات النفسية في الولاياتالمتحدةالأمريكية بعد الادمان على الكحول. تصل نسبة الاصابة بالاكتئاب حوالي 16% بين النساء و 9% بين الرجال وهذه نسبة مُرتفعة بين عامة الناس. مرّ عليّ مرضى بالاكتئاب خلال عملي في الطب النفسي في الرياض وفي بريطانيا وانتحروا بطرقٍ متعددة ؛ رجالاً ونساء. مريضات انتحرن بأخذ جرعات عالية من الأدوية التي يستخدمنها أو أدوية يستخدمها بعض أفراد الأسرة الآخرين ، وغالبية النساء ينتحرن بهذه الطريقة ، ولم تمر عليّ سوى امرأة واحدة انتحرت عن طريق شنق نفسها بغطاء رأسها ، أما البقية فقد انتحرن بجرعات عالية من الأدوية القاتلة. عكس الرجال الذين ينتحرون غالباً بإطلاق النار على أنفسهم وبطرقٍ عنيفة ولكن بعضهم قد ينتحر بالأدوية وجرعات عالية من الأدوية النفسية أو الأدوية غير النفسية. تصل نسبة مرضى الاكتئاب الذين ينتحرون هو حوالي 15% ، وهو أعلى نسبة انتحار بين المرضى النفسيين والعقليين كيف ينتحر المريض النفسي؟. غالباً ما ينتحر المريض النفسي أو المريض العقلي عندما يكون في حالةٍ عقلية تجعله يفقد الاستبصار بما يفعله ، فلا يكون في حالةٍ عقلية واعية بكل ما يفعله من أفعال وسلوكيات ،وهذه عادةً تكون في حالة الاكتئاب الشديد الذي يجعل الشخص يفكّر بطريقة سلبية مثل أنه يرى بأن الحياة سوداوية وليس هناك بصيص أمل في تحسّن الأحوال في المستقبل ويعتقد بأن لا أحد يستطيع أن يُساعده في حل مشاكله. في مثل هذه الأحوال النفسية وهذا يقود إلى أن يرى المريض بالاكتئاب إلى أن الحل الوحيد أمامه هو أن ينتحر وينُهي حياته ولذلك فإن علاج مرضى الاكتئاب أمرٌ في غاية الأهمية ، لأن الاكتئاب هو مرض قاتل ، وحالياً يُشكّل الاكتئاب السبب الخامس من حيث أسباب الوفاة ويُعتقد بأن الاكتئاب سوف يكون السبب الثاني للوفاة عام 2020 بعد امراض القلب. من المؤسف بأن الاكتئاب لا يُعالج بالطرق الحديثة ؛ فكثير من المرضى ، وخاصةً المريضات يتم للأسف علاجهن بطرقٍ بدائية ، حيث يتم أخذهن لمعالجين شعبيين لعلاجهن وغالباً ما يتم علاجهن بأمور غير حضارية مثل الضرب أو الكهرباء ، وقد تفقد المريضة حياتها نتيجة الجهل وعدم المعرفة بالأمراض والاضطرابات النفسية. الشريحة الثانية من المرضى النفسيين والعقليين الذين ينتحرون هم الأشخاص الذين يُعانون من الاضطرابات في الشخصية بأنواعها المتعددة وكذلك الذين يدمنون تعاطي المخدرات والكحول. أكثر المرضى بالاضطرابات الشخصية هم الذين يُعانون من اضطراب الشخصية المضادة للمجتمع أو الذين يُعانون من اضطراب الشخصية الحدية. غالباً ما يقترن اضطراب الشخصية المضادة للمجتمع مع الإدمان على المخدرات والكحول ، وتبلغ نسبة الذين ينتحرون من الأشخاص الذين يُعانون من هذا الاضطراب في الشخصية إلى حوالي 15% وهذه نسبة عالية تتساوى مع اضطراب الاكتئاب. الذين يُعانون من اضطراب الشخصية المضادة للمجتمع غالباً ما يكونون من الرجال بعكس الذين يُعانون من اضطراب الشخصية الحدية والتي غالباً ما يكن من النساء. المرضى بالادمان واضطراباب الشخصية بمختلف أنواعها ينتحرون عادةً بطرقٍ مختلفة من تناول كميات كبيرة من المخدرات أو الوقوع والشخص تحت تأثير الكحول أو المخدرات فيُصاب بإصابات قاتلة ، ويكون الشخص قاصداً تناول كميات كبيرة من الكحول أو المخدرات بغرض الانتحار ، أو قد ينتحر الشخص وهو تحت تأثير المخدر بأن يُطلق على نفسه الرصاص أو يشنق نفسه أو يقوم بأخذ أدوية تتعارض مع الكحول أو المخدرات وتقود إلى الوفاة. للآسف فإن الاضطرابات في الشخصية والإدمان من أصعب الاضطرابات التي يصعُب علاجها في الطب النفسي. الاكتئاب من أسباب الانتحار المرض الثالث هو الفُصام والذي يُعاني منه حوالي 1% من عامة الناس في مرحلةٍ ما من العمر. مرض الفُصام من الأمراض الصعبة ، وربما يُعتبر من أصعب الاضطرابات النفسية والعقلية ، نظراً لأن هذا المرض يبدأ في سنٍ مُبكرة ؛ أثناء المراهقة أو بداية سن العشرين ، وللاسف أيضاً أن اكتشافه لا يتم في وقتٍ مبكر ، وكلما بكّر ظهور المرض وتأخر البدء في علاجه فانه يكون أكثر صعوبةً في العلاج. مرض الفُصام ، مرضٌ مزمن وأكثر من 25% من المرضى يُصبحون مرضى مزمنين ولا يُفيد فيه العلاج بشكلٍ فاعل ، لذلك فإنهم يُصبحون عبئاً على أهلهم وعلى المجتمع. مرضى الفُصام عادةً تكون لديهم هلاوس سمعية ، وهذه الهلاوس قد تكون سبباً في الانتحار ، حيث قد تطلب الأصوات في بعض الأحيان من المريض أو المريضة أن يقتل أو تقتل نفسه أو نفسها. كذلك هناك اضطرابات ضلالية قد تجعل المريض ينتحر. أكثر الأوقات التي ينتحر فيها مريض الفُصام هو الوقت الذي يتحسّن فيه المريض من أعراض المرض ويستطيع أن ينظر إلى وضعه النفسي والعقلي السيىء ، عندما يصيح مريض الفُصام مُستبصراً بحالته العقلية ومدى المعاناة التي يعيشها بسبب هذا المرض فإنه قد يُقدم على الانتحار. كما ذكرنا فإن الأمراض النفسية والعقلية هي واحدة من أهم أسباب الانتحار ، لذلك فإن تحسين الخدمات النفسية التي تُقدّم للمرضى النفسيين والعقليين قد يقود إلى انخفاض نسبة الأشخاص الذين يُقدمون على الانتحار. لذلك علاج هؤلاء المرضى بالقدر الذي يستطيعه العاملون في الخدمات النفسية قد يقود إلى تخفيض عدد الاشخاص المنتحرين. هناك أسباب آخرى قد تقود للانتحار مثل المشاكل الأسرية والعائلية ، فبعض المشاكل الأسرية والعائلية تجعل الشخص يُقدم على الانتحار ،خاصةً السيدات والفتيات الصغيرات. كثيراً ما يقدم على محاولة الانتحار الاشخاص الذين يمرون بمشاكل عاطفية ، خاصة النساء والذين يقدمون على محاولة الانتحار لكن لايقصدون ذلك حقاً ، فالمحاولة لا تكون لقتل النفس وإن كانت المرأة – أياً كان عمرها – عندما تقُدم على أخذ عدد قليل من الاقراص من أي دواء أو تقوم بقطع رسغها تكون تعرف بأنها لن تموت ولكن هذه الخطوة هي محاولة لجلب الانتباه من قِبل الأطراف في المشكلة التي تُعاني منها ، أو طلب المساعدة من الأهل الذين ربما لا يكونون على أي علمٍ بما يحدث للفتاة أو السيدة التي تمر بظروف حرجة. الرجال عادةً حتى عندما يعانون من مشاكل عائلية أو عاطفية فإنهم عادةً ما يقومون بعملية انتحار كاملة مثل إطلاق النار أو الشنق ويكونون قاصدين قتل أنفسهم. ثمة أشياء تقود إلى تقليل الوفيات بسبب الانتحار مثل علاج الأمراض النفسية والعقلية التي تقود إلى الانتحار ، فكما ذكرنا سابقاً بأن حوالي 35% من الانتحار يكون بسبب الأمراض النفسية والعقلية. أيضاً مساعدة الأشخاص الذين يُعانون من مشاكل أسرية أو عائلية ، عن طريق الأشخاص المختصين بالعلاج الأسري والعائلي والزوجي لمحاولة حل المشاكل التي يعُانون منها والتي قد تصل – لا سمح الله – إلى محاولة ايذاء النفس ، سواء بمحاولات الانتحار المتكررة التي يقوم بها بعض النساء ، والتي قد يحدث أن تموت المرأة في محاولة انتحار لم تقصد فيها قتل نفسها ولكن عن طريق الخطأ تموت!. الأمر الآخر وهو منع الرجال الذين يُقدمون على الانتحار بسبب مشاكل عائلية أو أسرية. إن التدخّل لحل المشاكل الأسرية والعائلية والزوجية قد يُساعد على تخفيف اعداد الأشخاص الذين قد ينتحرون أو يحاولون الانتحار ، لذلك فالعلاج الأسري ليس ترفاً وكذلك الأمر بالنسبة للعلاج الزوجي والعائلي.