نحن دائما نتساءل عن الجمال.. وعن ماهية الجمال.. ودائما نبحث عنه في أنفسنا أولا وفيما حولنا ثانيا.. واذا تابعنا البحث سنجد الاجابة عند سقراط عندما سأل احد طلابه قائلا له ما هو الجمال؟ فالاجابة ببساطة: هو الشيء الجميل, هو الذهب مثلا.. هو الفرس الجميلة.. فعلق سقراط على ذلك بقوله: انني لم أسألك ما هو الشيء الجميل؟ بل ما هو الجمال؟ أي الجمال في ذاته.. الذي يضفي الجمال على الأشياء وهو جميل بالنسبة للجميع وعلى الدوام. ان الباحثين عن الجمال كثيرون ومتعددو المذاهب.. فأصحاب المذهب الذاتي يرون ان الجمال ليس الجمال الخارجي, بل الجمال يكمن في مزاج الروح, وليس في الأشياء.. بمعنى ان الانسان اذا أصبح في مزاج سيىء لايرى الوجود جميلا ويرى كل شيء بمنظار نفسيته السوداء الحزينة. يقول الشاعر ايليا أبو ماضي: والذي نفسه بغير جمال لا يرى في الوجود شيئا جميلا ويقول: أيها الشاكي وما بك داء كيف تغدو اذا غدوت عليلا اذا لدى أنصار المذهب الذاتي عدوا االجمال شعورا ينشأ في النفس البشرية عند اتصالها ببعض الأشياء الطبيعية والفنية اتصالا مباشرا. اما انصار المذهب الموضوعي.. فعدوا الجمال قائما بذاته وموجودا خارج النفس البشرية فهو ظاهرة لها وجودها الخارجي وكيانه المستقل, مما يؤكد تحرر مفهوم الجمال من التأثر بالمزاج الشخصي. ان من يتأمل في جمال الأعمال الفنية في المواقع الفنية والمعارض والمتاحف يستنتج بان الانسان تحسس بالجمال منذ اقدم العصور وأخذ ذوقه الفني ينمو باستمرار بتذوقه جمال ما رآه واستمراره على تطوير ما أبدعه.. كل هذه الآراء والفرضيات كانت منذ القدم.. فعلم الجمال حير الكثير من متتبعيه والمهتمين به. ان الطاقة الإبداعية الموجودة والمتفجرة في الأعمال الفنية.. تستحق الإشادة بها وتستحق ان تقدر بحق.. فكل يوم نسمع بافتتاح المعارض الفنية التشكيلية.. سواء كانت شخصية او جماعية.. لكن يا ترى أين المتخصصين في علم الجمال والنقد.. فالمعارض تفتتح وتغلق بدون أية أشادة بهذا النتاج الفني وبخلاصة تفاعلات الفن مع نفسه وبيئته.. فالفنان التشكيلي (وليعذرني زملائي التشكيليين ان اتحدث بلسانهم) نراه يتذوق الجمال يتفاعل به ويخوض في بحوره.. فالجمال يكون في شفافية الشعور التي لا توصف بالشيء المحدد.. تضفي على الموجودات سحرا خاصا.. عندما ينظر اليها يتغلغل جمالها الى أعماقه ويشعر بنشوتها بالتالي يلتقي الشعور واللاشعور.. هنا تبدأ مرحلة الإبداع.. مرحلة انتاج الأعمال الفنية. فيا ترى من يقدر هذا الإبداع ومن يهتم بلحظات الابتكار.. حتى في المسابقات التشكيلية التي يتوقع منها تقدير الجمال وتقدير لحظات الإبداع والابتكار.. نراها تدور في دوامة لجنة التحكيم التي نحن لا نعلم هل اعضاؤها هم من أنصار المذهب الذاتي او الموضوعي.. اي ان الأعمال التشكيلية لا تكون جميلة إلا اذا كانت امزجة لجنة التحكيم في حالة جيدة او انها ترى الاعمال التشكيلية أعمالا قائمة بذاتها ويجب ان تتوافر فيها مقومات العمل التشكيلي الفني من توازن وتناسب وايقاع وخط ولون.. إلخ. لكن لو غربلنا هذه الأعمال وفق هذه المقومات الفنية واجتاز تلك المرحلة الكثير من الأعمال.. ياترى كيف سيكون التحكيم النهائي لهذه الأعمال. بالتأكيد سيعودون أدراجهم الى الذاتية ومن هنا الى هناك.. يذهب المبدع العربي في نوع من التذبذب بين هؤلاء وهؤلاء.. وبالتالي يتحطم الإبداع وراء هذه النزعات الجمالية.. ان الفنان في الأصل يبدع أبداعا ذاتيا.. إبداعا راقيا ملهما.. إبداعا يرتقي به الى أعلى مستويات التقدم الثقافي والاجتماعي. @ الكلام يطول في الجمال وعن الجمال لكن في النهاية أقول مسكين أنت أيها المبدع فأنت في مكانك لن تتقدم اذا كانت الذاتية هي التي تحدد مصيرك.