مثلما يصرّ الكاتب خلف الحربي على الإشارة إلى ميريام فارس بمناسبة وبدون مناسبة ولا منازع، يصرّ بعض قادة الرأي في منابرنا الإعلامية على أسلوب الفرقعة والإثارة ولا يرضون لها بديلا! ورغم أني أتفق مع خلف الحربي في أحقية ميريام فارس في احتلال الأعمدة الصحفية فهي موضوع جيد للكاتب المنهك.. والإثارة أنواع! لكننا تجاوزنا مرحلة التلقي السلبي الذي يؤسسه فينا بعض الإعلاميين.. إذا لم يدرك الإعلام الفرق بين حالات تظلم فردية حلّها إداري بالدرجة الأولى لا يشكل ظاهرة، وبين قصة مجتمعية مؤثرة قد يفصل فيها تدخل أمير منطقة أو مسؤول فمن يدريلم تعد ذريعة البحث عن الحقيقة وإظهار الحق وإعلاء صوت المظلوم لعبة تنطلي على المشاهد، كما أن المتلقي أنواع والإعلام لا يزال يتّبع وسائله العتيقة لملء ساعات على الهواء أو صفحات من ورق! من المتلقين من يبحث عن قضية تشغله عن فواتيره التي لم يدفعها أو هروب الخادمة مع السائق ومن سيوصل الأبناء في الغد، وهناك متلقٍ يصدّق كل ما تتلقفه حواسه ولكنه لا يعنيه من الأمر شيء سوى تمضية بعض الوقت، السؤال الذي يطرح نفسه هل يدرس القائمون على البرامج الفضائية وضعية الجمهور.. فئاته العمرية المستهدفة؟ مستواه الثقافي ومرجعياته؟ هل يختارهم من بين مجموعة فئات؟ وإلاّ فكيف يستطيع أن يحدد ماهية قضيته؟ كان يجب وهكذا نتوقع أن يكون للإعلامي النزيه قضية، ولا نستطيع نحن كمتلقين تبيّن مستوى نزاهته وصدقه إلا بمراقبة مواقفه من قضايا مجتمعه من جهة، ومتابعة تصريحاته وأحياناً تحركاته من جهة أخرى، الإعلام مهنة لا ترحم صاحبها لذلك هي مهنة المتاعب.. لكن من الأجدى كثمن مقابل لهذه المتاعب أن تدفع لاستنتاج أو محصلة نهائية تستحق التضحيات، وإلا فما نفع أساليب التهديد والفضائح وأحياناً «التنبيش» أمام أعين مشاهد يبحث عن أسئلة تثير فيه القدرة على التفكير مجدداً وليست جرعة حنق لم تثبت بالبراهين والأدلة القاطعة على مصداقيتها.. لجوء بعض المتظلمين للإعلام لهو متنفس عظيم عن آلام واحباطات متراكمة، لكن المتناول الإعلامي يظل قاصراً أمام الحقائق التي لا نعرفها ولا ندرك أبعادها ولا تبعاتها، لا أدعو للخوف من الإعلام أو للحد من هذا الظهور سؤالي فقط هذه التعرية في بعض القنوات تخدم من؟ قد يستمتع بالمشاهدة متفرج «طفشان» يقلّب القنوات aبحثاً عن قصة يرويها في الاستراحة، أو صاحب القناة والقائمون على البرنامج لإزاحة هم حلقة من فوق كاهلهم، الشخص الأخير الذي قد تخدمه مثل هذه الوسائل هو المتظلم نفسه الذي جازف بسمعته واسمه ومكانته وربما عمله ليملأ الفراغ! لابد أن يدرك الإعلام متى تتخلق القصص وكيفية صناعة القضايا! إثارة البلبلة واستعمال الناس كعصا يهشّ بها سين على رأس صاد حتى يصفي معه حسابات قديمة، أو لتمرير صورة ذهنية عن صاحب البرنامج أنه الإعلامي الذي لا يخاف في الله لومة لائم لن يخدم إلا شباب الواتساب الجاهزين لإسقاط مغالطات وتنكيت! إذا لم يدرك الإعلام الفرق بين حالات تظلم فردية حلّها إداري بالدرجة الأولى لا يشكل ظاهرة، وبين قصة مجتمعية مؤثرة قد يفصل فيها تدخل أمير منطقة أو مسؤول فمن يدري؟ نحن المشاهدين فقط ندرك الفرق، أما هذا الإعلامي أو ذاك فقصص هؤلاء وأسرارهم هي الوجبة الدسمة التي سيصطادون بها نجومية أعلى حسداً من عند أنفسهم نجومية ميريام فارس وخلف الحربي..