تحتفي صالة العالمية للفنون الجميلة بمدينة جدة هذه الأيام بمعرض الفنان التشكيلي السوري المقيم في باريس الدكتور أحمد معلا" 1958م " والذي أثبت حضوره عالمياً من خلال منجزه الابداعي وتجربته البصرية المتميزة التي حظيت باهتمام الفنانين والنقاد والمهتمين بالفنون البصرية. الفنان أحمد معلا خريج كلية الفنون الجميلة جامعة دمشق عام 1981م والمدرسة الوطنية العليا للفنون الزخرفية -باريس 1987م وعمل دكتورا مدرسا في كلية الفنون الجميلة -دمشق 1989-1996م وأقام أكثر من عشرين معرضاً شخصيا حول العالم عدا المعارض والمساهمات المشتركة ، كما حاز على العديد من الجوائز العالمية أبرزها حصوله على المركز الأول لجائزة البردة -فئة الخط العربي الحديث -الدورة الخامسة -أبوظبي - الامارات العربية المتحدة 2007م . يمكن لقراءة ما، أن تعلن اللوحة / الصورة نعشاً، يثبت ويستقر لتناوله كنصّ، هيكله جامد، وباطنه يعج بالحياة من خلال اعتماده على فطنتك وثقافتك ووعيك كقارئ. " اليوم "حاورت الفنان التشكيلي الدكتور أحمد معلا هاتفياً من العاصمة الفرنسية باريس حيث يقيم منذ سنوات عدة فإلى الحوار : الزائر لمعرضك الحالي بصالة العالمية بمدينة جدة يلحظ بعض الأعمال تحمل عناوين لقصائد لشعراء عرب كامرئ القيس وزهير ابن أبي سلمى .. ماذا عن اللوحة وعلاقتها بالشعر؟ - تتشعّب الاجابة لتدرك سؤالك الذي يفضي إلى آفاق تتنوع نتيجة انضمامها إلى حيوات الفن، فالعلاقة الظاهرة للتصوير والرسم بالشعر لا تتوقف عند الشكل الكتابي / التخطيطي لتجسيد الشفوي، أو لنقل تحويل الشفوي إلى بصري. بل تتجاوزه إلى طمأنينة الانتماء للجوهر الفكري الذي يهيكل عالماً آخر غير هذا المادي الذي نتناوله ويتناولنا. الشعر رسم للحياة على يد آخر / شاعر، يرينا معتمداً على اللغة عالمنا من خلال قراءته لوجوده فيه، مما يمنح الفنان / الشاعر هذه القيمة الإنسانية. ويدفعنا إلى تجاوز التقنيات والضرورات اللغوية كالقواعد والعروض.. وصولاً إلى حيث يقود التخيل صياغات الوجود نحو حالة من الحضور الذي يضعنا أمام القيمة الحقيقية للتجربة الشعرية / الفنية. لهذا فالعلاقة الباطنة تشي بالانضواء إلى معنى الوجود المتعدد للذات خلال رحلتها عبر الحاضر المتقادم وصولاً إلى النعش. وربما لهذا يمكن لقراءة ما، أن تعلن اللوحة / الصورة نعشاً، يثبت ويستقر لتناوله كنصّ، هيكله جامد، وباطنه يعج بالحياة من خلال اعتماده على فطنتك وثقافتك ووعيك كقارئ. يرى المتلقي في الكثير من أعمال الفنان الدكتور أحمد معلا حضوراً ملفتاً للحرف العربي .. في أي مرحلة خلال مسيرتك الفنية بدأت توظيف الحرف في العمل الفني؟ - أنا ومنذ الطفولة، أولعت بالرسم والخط، وتحسين وتجويد الشكل، اسماً كان أو عنصراً، وعملت خطاطاً في مراحل من فتوتي، وصممت الحروف لأنني درست اختصاصياً في الاتصال البصري والتصميم الغرافيكي، إلى جانب انتاجي التصويري والفني في مجالات أخرى تتعلق بالمسرح والسينما والإخراج الفني الطباعي...إلخ مع بداية الألفية الثالثة اشتغلت بشكل مباشر على هذه الصياغات الكتابية وتوظيفها في نصّي التشكيلي. وللحق، لم تغب العلاقة مع الخط عن مختبري، لكنني أردت أن أغطي جوانب عذراء في وصل اللوحة المكتوبة باللوحة الشخوصية أو التصويرية، وكان لابد من إنتاج متقدّم للوحتين (لوحة شخوصية، وأخرى خطيّة) لإنجاز المادة التي ستدمج الحالين، في لوحة ثالثة تتبادل العلاقة فيها أجساد الخطوط وأجساد البشر وصولاً إلى أدوار تستشرف أمداء لا ترتهن للواقع، ولا تخضع لشروط مدرسية، ولاتستسلم للمتداول، ولا تحتاط بحجج الأسلوبية أو الدُرْجة. الأمر يقوم على استيلاد الجديد من جديد بين التبدد والتحوّل. الحروفية العربية.. ألا تزال قائمة بعد أن دخلت التنميط والتسويق التجاري والمزادات العالمية.. وهل هناك امكانيّة لتجددها، وما التجارب الدالة على التجديد؟ - إن مجرد تسميتها بالحروفية العربية هو استسلام للتنميط، والإشارة لعروبتها في غير محله فهو زعم يراد منه الإشارة إلى ما يخص العرب دون غيرهم، فهي تستخدم الحروف وبالتالي فهي حروفية. إن كان من استخدم هذه الحروف عربياً أو غير عربي. الحروفية موجودة في الغرب مثل التكعيبية والانطباعية، فلماذا نسميها الحروفية العربية؟ إن الأمر لا يتعدى الاستخدام التشكيلي للحروف والكتابة وأنماط الخطوط. تجاربي المتعددة للمفردات الخطيّة هي واحدة من هذه الانجازات. حيث انشغل في استقصاء تحولات الخطوط والكتابات خلال توظيفاتها المتنوعة، وإليك مجموعة من الصور لتوثيق المعنى. تقيم في باريس منذ سنوات عدة .. ماذا أضافت سنوات الحياة في المهجر واحتكاكك بالآخر العالمي لمنجزك الإبداعي ؟ - كل خروج من باب، ودخول في باب جديد مختلف، هو إعلان للانتماء للإبداع والإنساني. من هنا، تصبح المشاهدات، والاحتكاكات والاختبارات الذاتية في رحلاتها عبر الآخرين وعبر انجازاتهم، تصبح فرصاً لتجديد الإطلالة على قيمتنا وجدوانا، بعيداً عن الإيديولوجيا. وأكثر التصاقاً بالإنسان كقيمة مطلقة. ولهذا نرى أن الفن هو ذاك الذي يمدّ التجربة لتطال الإنسان في كل زمان ومكان، بعيداً عن الاحتفاء بالمناسبات والاحتفالات. كيف تنظرون إلى غياب النقد الفني الرصين والمجلات الفنية المتخصصة في الساحة التشكيلية العربية وأثرها على انتاج المبدعين العرب؟ - للأسف، إنك في هذا لا تطرح سؤالاً وإنما تنكأ جرحاً. ولهذا لابد من الاعتراف بمدى تخلفنا الحضاري. لاتزال أسئلة الصورة تشكّل عناوين للرفض والقبول، يجب الاعتراف بأن فننا لايزال انعكاساً للنشاط الإنساني المتقدم عند بعض المجتمعات المتطورة، وليس جزءاً من الشخصية المحلية للسلطة بشتى أشكال حضورها وتمظهرها. أو امتدادها عبر الأفراد. وأقصد هنا سلطة الوجود الإنساني كعاقد للنظام الحيوي للمجتمع. أي ما يرفع رأس الإنسان / الفنان، ويمنحه الاعتداد بوجوده. لا نزال، للأسف، غير منتبهين إلى أن الفن لا يلغي الفن، على عكس العلوم. ففنون المجتمعات البدائية تحتل مكانة في أروقة المتاحف العالمية إلى جانب فنون مجتمعات وصلت إلى الفضاء الخارجي. ومنحوتات كالكاتب المصري أو الأسود المجنحة الآشورية تضاهي الموناليزا ومنحوتات مايكل انجيلو في الابهار والروعة دون أن يتسبب أي منها في تحطيم أو إلغاء بعضها للبعض الآخر. في حين أن نظرية نيوتن أطاحت بالفيزياء التي سبقتها إلى الفناء. ما السبل للارتقاء بالفن التشكيلي العربي للعالمية ؟ - قل، كيف نرقى بالفن التشكيلي. فإن تمكنّا من ذلك، يغدو فننا عالمياً. المجتمع العالمي ينتج فنّاً عالمياً، هل يوجد لدينا من الانجازات ما يمكن وصفه بالعالمي ليكون فننا عالميّاً؟! ما رؤيتكم لتجارب الفنانين في المحترف السعودي ؟ - لم أزر المملكة منذ شاركت في لجنة تحكيم مسابقة (ملون) أي منذ أكثر من عقد، وأقول إن حال تشكيلييكم كحالنا جميعاً. وهناك إضاءات على الدوام. آمل أن يجد الفنان متسعاً من الثقة بقيمة صنيعته الفنية، وهو ما سيرسي أسساً لقيم عمله التي ستجعل منه ضرورة حضارية وليس استعراضاً صورياً لوجود عابر. مما سيتطلب العناية بالانتاجات الفنية على تنوعها من خلال مؤسسات حضارية.