اختتمت أمس فعاليات ندوة الرؤية المستقبلية للاقتصاد السعودي التي نظمتها وزراة التخطيط يوم السبت الماضي برعاية صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء رئيس الحرس الوطني وذلك بقاعة الملك فيصل للمؤتمرات بالرياض. وألقى وزير التخطيط خالد بن محمد القصيبي خلال الجلسة الختامية للندوة كلمة اوضح فيها انه تم خلال فعاليات الندوة الاطلاع على أفكار بالغة القيمة من ممثلي الدول الأخرى والمسؤولين السعوديين وممثلي القطاع الخاص والخبراء السعوديين وغيرهم من الخبراء الدوليين واشتملت الندوة على عرض ومناقشة لمعلومات قيمة حول التوجهات والتجارب التنموية في المملكة, وعلى مستوى العالم كما تناولت المناقشات جوانب مهمة وبالغة التنوع للتنمية بعيدة المدى في عالمنا الذي يتغير بوتيرة سريعة وان اتسم بالاضطراب في بعض الأحيان. وقال: ان الندوة مثلت حدثا فريدا من نواح عديدة فهي المرة الأولى التي تتطرق فيها لمناقشة التوجه المستقبلي لجهود المملكة التنموية بصورة شاملة على حين ان خطط التنمية الوطنية السابقة للمملكة قد اهتمت بصفة أساسية بالاتجاهات والسياسات على المدى المتوسط فاننا نوسع الأفق التخطيطي الآن بحيث يغطي فترة أطول ونعني بذلك العقدين التاليين وقد تحددت في سياق الندوة التحديات والفرص الرئيسية التي يتوقع ان تواجهها المملكة على مدى العشرين سنة القادمة وفي تقديري فان المعرفة والتجارب التي عرضت في سياق الندوة سوف تهيىء المملكة بصورة جيدة لمقابلة تحديات المستقبل. وأشار معاليه الى ان جميع المؤشرات التي رافقت ندوة الرؤية المستقبلية للاقتصاد السعودي تؤكد على أهمية استشراف المستقبل انطلاقا من وعي كامل بالمتغيرات والمستجدات العالمية ومن حرص على تفعيل كافة عناصر القوة الاقتصادية للمملكة لتحقيق الطموحات التنموية على المدى البعيد ويعكس ذلك الرعاية السامية للندوة ومتابعة كافة مراحل الاعداد لها والمشاركة الرفيعة المستوى لاصحاب السمو وأصحاب المعالي والقيادات في القطاعين العام والخاص جنبا الى جنب مع الأكاديميين والباحثين من كافة القطاعات والانشطة بالمملكة اضافة الى الخبراء العالمين المتميزين والمؤسسات العالمية والاقليمية مفيدا بان حجم المشاركة في الندوة اسفر عن مائة وخمسين ورقة عمل اتسمت بجهد علمي مخلص سواء من حيث العمق في التحليل او شمول الرؤية والفهم الدقيق لايقاع العصر ومقتضياته. وبين معالي وزير التخطيط ان اوراق عمل الندوة ومداخلات الحضور ومرئياتهم ومناقشاتهم على امتداد جلسات العمل خلال الايام الاربعة الماضية للندوة اسهمت في تحديد معالم رئيسية للرؤية المستقبلية للاقتصاد السعودي حتى عام 1440ه/ 2020م وذلك من خلال مراجعة المنجزات التي حققتها خطط التنمية على امتداد الاثنين والثلاثين عاما الماضية والتقويم الموضوعي للاوضاع الراهنة وتحديد ما يلائم الاقتصاد السعودي من تجارب التنمية العالمية الناجحة والرائدة التي يمكن الافادة منها في بلورة الواقع الدولي وتوجهات العولمة والاندماج الاقتصادي العالمي ومتغيرات الاوضاع الاقليمية واحتياجاتها وملامح الاقتصاد الجديد ومتطلباته واستهدف كل ذلك تحديد العناصر الاساسية والملائمة لطبيعة ومكونات الاقتصاد السعودي والقادرة على تفعيله ايجابيا مع كل تلك المؤثرات المتشابكة والمتداخلة بما يضمن اللحاق بركب العصر ويساند طموحات النمو والارتقاء بمستويات المعيشة ونوعية الحياة ويحفظ للانسان مكانته اللائقة به. ولفت الى ان اوراق العمل والمناقشات والمداخلات اكدت على ان طموحات المستقبل التنموية تستوجب تعزيز دور القطاع الخاص في تنفيذ البرامج التنموية في ظل استراتيجية شاملة تكفل له المساندة والتحفيز وتولى اهمية خاصة لتحسين المناخ الاستثماري وتهيئة البيئة المواتية للاعمال من خلال استكمال البنية النظامية والمؤسساتية اللازمة مع التركيز على رفع كفاءة الاجهزة الحكومية وتسريع آلية العمل والاداء فيها وفقا لمتطلبات عصر الاقتصاد الذي يعتمد على انهاء المعاملات من خلال الشبكات الالكترونية وتوفير الشفافية وبناء قواعد المعلومات الدقيقة القادرة على مساندة كافة اطراف النشاط الاقتصادي لاتخاذ القرار السليم والصائب في الوقت الملائم. كما اكدت الندوة كذلك على ضرورة الالتزام الدقيق من قبل المخطط بمعايير الكفاءة في توزيع الموارد وفقا لآليات اقتصاديات السوق وطبقا لاولويات الاستراتيجية الشاملة للتنمية المستدامة مع الاهتمام المكثف بالترشيد على كافة المستويات وفي كافة القطاعات والانشطة الحكومية والخاصة واستغلال الموارد والامكانيات المتاحة اخذا بالاعتبار السياسات والتشريعات والبيئة المحفزة لتعبئة وحشد المزيد من الموارد والامكانيات التي تتطلبها الطموحات التنموية لضمان تحقيق الرؤية المستقبلية وانجازها على ارض الواقع وهو ما يستوجب ان تكون القدرات التنافسية ركيزة للاختيار والمفاضلة بين الانشطة والمشروعات مع الالتزام بمراجعة الاوضاع القائمة ومساراتها وفقا لقواعد واضحة للتوازن بين التكلفة والعائد من خلال برامج زمنية محددة لتعزيز القدرات الاقتصادية القائمة وبناء قدرات جديدة تستهدف تحقيق الكفاءة الاقتصادية وتسهم في تقليص الاحتكار وزيادة المنافسة مع ضرورة ان تأخذ الرؤية المستقبلية في الاعتبار مقتضيات التنمية الاجتماعية. واوضح معالي وزير التخطيط انه بالنسبة للموارد الاقتصادية فقد اوضحت الندوة الامكانات المستقبلية البارزة لقطاع الغاز الطبيعي وكذلك الامكانات الواضحة لقطاع الثروة التعدينية واهمية التركيز على اعطاء اولوية خاصة في الرؤية المستقبلية طويلة الاجل للموارد الاقتصادية النادرة والقابلة للنفاد والتعامل معها وادارتها من منظور اقتصادي وفي مقدمتها احتياطيات النفط والغاز واحتياطيات المخزون الجوفي للمياه والتأكيد على حيوية قضية المياه وتوفيرها والحفاظ عليها وتنمية مصادرها المختلفة والنظر فيما تحتاجه مشروعات تحلية المياه من استثمارات جديدة ضخمة واساليب توفيرها عن طريق المشاركة الجادة من الاستثمارات الخاصة وكذلك الامر في قطاع توليد الطاقة الكهربائية. وافاد بان التخطيط الاستراتيجي للمستقبل يجب ان يبنى على قاعدة التحرير للمعاملات والانشطة في ظل اتفاقيات تحرير التجارة العالمية السلعية والخدمية وما تتطلبه من تشريعات محلية لتنظيم المنافسة ومنع الاحتكار ومواجهة الاغراق وحماية حقوق الملكية الفكرية والتخلي عن الاساليب التقليدية لحماية الانتاج الوطني وتنظيم السوق الداخلية وهو ما يستوجب تنظيمات مؤسسية جديدة وتشريعات تنظيمية وتعديلات في الاساليب والمفاهيم والاجراءات خاصة ان الدول الصناعية المتقدمة بالرغم من كل قواعد التحرير للتجارة العالمية قامت بتنفيذ نظم حمائية تسمى (الحمائية الجديدة) من خلال التوسع في تطبيق الاشتراطات الصحية والبيئية على وارداتها من الدول النامية وحتى فيما بينها بالاضافة الى ما لاح في الافق من قواعد دولية لتنظيم انتقال الاموال والكشف عن الحسابات المصرفية. وفي نطاق العولمة والتحرير والاقتصاد الجديد قال معاليه: ان مفهوم المزايا الاقتصادية للدول قد تعدل بصورة جذرية ولم تعد المزايا النسبية في حكم الحقيقة المؤكدة وهو نظام لا تتمتع فيه بالتالي المزايا الوطنية الحالية بأية ضمانات ويمكن للمتنافسين من خلال الابتكار والتكنولوجيا والمعارف الفنية المتقدمة وحداثة التنظيم والادارة محاكاة المزايا النسبية وصياغة مزايا تنافسية جديدة تعدل من اوضاع الاسواق والمعاملات ويستلزم ذلك ان نبنى ركيزة الرؤية المستقبلية على قاعدة امتلاك المزايا التنافسية والسعي الى تطويرها وتدعيمها بشكل دائم ومستمر. واضاف قائلا: وقد دفعت متغيرات العالم في السنوات الاخيرة الدول الى التوجه نحو اقتصاديات الحجم الكبير على مستوى الدول وسعيها للتكتل والاندماج الاقتصادي لامتلاك المزيد من عناصر القوة الاقتصادية عن طريق التجمع والعمل المشترك الموحد وهو ما يبرز صورة واضحة من انتقال السوق الاوروبية المشتركة الى كيان الاتحاد الاوروبي وصولا للوحدة النقدية واطلاق عملة موحدة وكذلك الحال بالنسبة للشركات وما حدث من اندماج على مستوى الشركات متعددة الجنسية عابرة القوميات الضخمة في كافة مناحي النشاط الاقتصادي لتصنع كيانات عملاقة تمتد شبكاتها عبر كل العالم ويستلزم ذلك ان تأخذ الاستراتيجية التنموية طويلة الاجل بعين الاعتبار ضرورات التجمع والتكامل على مستوى دول مجلس التعاون الخليجي وفي النطاق العربي مما يعزز الافاق المستقبلية لتوجهات العمل الاقتصادي الموحد والمشترك. وافاد معالي الاستاذ القصيبي بان اوراق الندوة ونقاشاتها بينت ان الحاجة الى تنشيط تدفق الاستثمارات الاجنبية المباشرة في عديد من القطاعات والانشطة اصبح ضرورة ويتطلب ذلك تهيئة البيئة والمناخ بالقدر اللازم لتشجيعها وبصفة خاصة التدفقات المصاحبة للتقنية المتقدمة والمعارف الفنية المتطورة والقدرات التسويقية للتصدير مما يستلزم ذلك ان تشتمل الاستراتيجية التنموية طويلة الاجل على منظومة متكاملة من السياسات والتشريعات والآليات القادرة على جذب الاستثمار الاجنبي المباشر بالمعدلات المطلوبة واللازمة وفق اولويات التخطيط الاستراتيجي مع الاستفادة من تجارب الاستثمار الاجنبي المباشر في الدول النامية بكل ايجابياتها وسلبياتها لتحديد الاطار الامثل للمصالح الوطنية المشروعة. كما اكدت اوراق الندوة ان فاعلية وكفاءة التنفيذ ترتبط في جانب رئيسي منها بالتنسيق مع السياسات المالية والنقدية والترابط بين الميزانية السنوية واولوياتها وبين الاولويات التنموية وتوجهاتها بما يضمن تجاوز مشكلات وتحديات التنفيذ المرتبطة بنقص التمويل وان نجاح الرؤية المستقبلية يرتكز على سياسات فعالة ومستقرة فيما اكدت على اهمية الدور الفاعل للمؤسسات المالية والبنوك في توفير التمويل اللازم للقطاع الخاص لمواجهة احتياجاته الاستثمارية والتشغيلية اضافة للسياسات الكفيلة بتوفير السيولة المحلية وفقا للمعدلات الملائمة لمساندة الطموح التنموي طويل الاجل. وبين معاليه ان الهدف من الرؤية المستقبلية للاقتصاد السعودي يتلخص في اقتصاد متنوع ومزدهر يضمن توفير فرص عمل مجزية ورفاهية اقتصادية لجميع المواطنين السعوديين وتوفير التعليم والرعاية الصحية الجيدة للسكان وتزويد القوى العاملة بالمهارات اللازمة مع المحافظة على القيم الاسلامية والتراث الثقافي للمملكة. ورفع معالي وزير التخطيط الاستاذ خالد القصيبي في ختام اعمال ندوة الرؤية المستقبلية للاقتصاد السعودي أسمى آيات الشكر والتقدير والعرفان لصاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء رئيس الحرس الوطني على تفضله برعاية الندوة وتكرمه بافتتاح اعمالها كما شكر اصحاب السمو واصحاب المعالي والمسئولين في القطاعين العام والخاص والاكاديميين والخبراء في المملكة وكذلك الخبراء من الدول الشقيقة والصديقة ومن المؤسسات الدولية المشاركين في الندوة منوها بالمشاركة الايجابية والفعالة للبنك الدولي في اعمال الندوة.