كثير منا يجهل كيفية التعامل مع المريض النفسي وقد يكون ذلك أقرب مجتمع للمريض وهي الأسرة التي يوجد في بعض الأحيان حلقة مفقودة بين المستشفى والمريض النفسي مما يجعل المريض عرضة للنكسة والتي قد تتسبب في تفاقم الحالة لديه. ومن هذا المنطلق كانت لجريدة اليوم جولة بمستشفى الأمل للصحة النفسية بالدمام والتقت بعدد من الأطباء والأخصائيين الذين كانت لهم آراء تطالعونها في التحقيق التالي: في البداية تحدث الدكتور عصام شوقي أخصائي الطب النفسي بالمستشفى فقال: في الماضي كان يعد وجود مريض عقلي في الأسرة وصمة عار لجميع أفرادها ويتعامل الأصدقاء معه ومع أسرته بريبة وخوف بل تحاول الأسرة نفسها إخفاءه باعتباره مصدر احراج لها وكانت المستشفيات النفسية مؤسسات مغلقة لا يدري احد ماذا يدور بداخلها وكان الاعلام أيضا مقصرا في القيام بدوره في مجال الصحة النفسية وربما أسهم في ترسيخ المفاهيم الخاطئة السائدة عن الصحة النفسية، ولكن في الوقت الحالي تغير هذا الوضع بسبب اتباع المستشفيات الأسلوب الطبي النفسي الاجتماعي في علاج المرضى واعتبار الأسرة احد أعضاء الفريق العلاجي حتى الأسرة السلبية أصبحت مهمة في علاج المريض وأصبحت الأسرة تتابع ما يجري للمريض ويوضح لها كيف تساعد وتتعامل معه من اجل علاجه وشفائه من هذا المرض. وقال الدكتور اسامة عن زيارة المريض وتأثيرها على حالته النفسية أثناء فترة العلاج داخل المستشفى: الزيارة للأهل أثناء فترة التنويم هي جزء من خطة الخروج للمريض وتجهيزه للخروج النهائي من المستشفى كما ان زيارة المريض للأهل تتم أولا باقتراح من الفريق العلاجي أثناء تحسن حالة المريض. وتتم تهيئة كل من المريض والأهل وعمل برنامج لتلك الزيارة وتحديد الأهداف العلاجية المرجوة وهذا يساعد على تحسين وتدعيم العلاقات الأسرية مع المريض وتفهم الأهل طبيعة المرض النفسي. حيث لابد من توعية الأهل بالدور الايجابي للزيارة وتأثيرها على المريض وذلك من اجل اعادة تأهيل المريض وتوافقه مع الظروف الخارجية التي تهدف الى محاولة عودة المريض للمجتمع بصور تدريجية. من خلال اختبار لدى تحسن المريض داخل المستشفى واستقرار حالته وزيادة ثقة المريض ومقدرته على الالتزام بالعلاج خارج المستشفى. وعن هذا الجانب تحدثت الأخصائية الاجتماعية ريم شريدة العميري عن زيارة المريض لذويه أثناء العلاج بالمستشفى أهدافها ومزاياها ووصعوباتها فقالت ان الهدف من الزيارة هو نقل المريض من مجتمع المستشفى الى المجتمع الخارجي وتيسير وتمهيد الطريق أمامه لينتقل من المستشفى إلى الأسرة والمجتمع، وذلك بمناقشة الأسرة والزملاء وغيرهم في حالة المريض وشفائه وما يتوقعونه منه وكيف يستجيبون لسلوكه؟ في المجتمع: في اطار المجتمع الكبير تفيد الزيارة خلال فترة العلاج على النحو التالي: تهيئة بيئة اجتماعية صحية للتأهيل، واسهام الأقارب والأصدقاء والرفاق وأصحاب العمل وجماعة العمل وغيرهم في التخفيف من حدة التوتر التي قد تكون موجودة في البيئة الاجتماعية، وتعديل الظروف الاجتماعية واحداث التغييرات اللازمة في ظروف المعيشة وتعديل الإطار الاجتماعي العام للمريض وعلاجه في مواقف الحياة الخارجية. وهناك يمكن للعلاج الاجتماعي أن يؤتي ثماره في اطار العمل والحياة العامة أي في موقع المريض نفسه، وضبط عملية التنشئة الاجتماعية واجراء بعض التعديلات والتغييرات اللازمة في باقي وسائل وعوامل هذه العملية مثل وسائل الاعلام ودور العيادة وجماعة الرفاق، وتقديم خبرات اجتماعية جديدة أفضل وذات قيمة علاجية، ومتابعة المريض بعد عودته للمجتمع عن طريق الاتصال أو زيارة الأسرة وذلك لمعرفة مدى حاجة المريض للتردد على المستشفى أو في حاجة الى مساعدة من أجل التوافق السوي في المجتمع. أما الأخصائية الاجتماعية نفلة العنزي فقالت قد لا يخفى على الجميع أهمية تفعيل دور المريض النفسي بين أسرته ومجتمعه وعدم جعله شخصا مهملا ولا فائدة منه أو تركه طاقة معطلة أو عالة على أهله ومجتمعه. فالمريض النفسي قادر اذا توافرت الامكانات والمساعدة المطلوبة من تقديم الخدمة والانتاج. ولكن مع مراعاة طبيعة المرض الذي يعاني منه، فمثلا المريض النفساني مثل مرضى العظام والاضطراب الوجداني وغيرهم لتكون قدراتهم محدودة ولكن هذا لا يمنع أن يحاول الفريق العلاجي مع اسرة المريض في مساعدته في أن يشغل هذه القدرات ونستخرج مكنوناته وطاقاته الكامنة في ظل الخطة العلاجية التي ترسم له وتحت اشراف ومتابعة المعالج. أما المريض العصابي كمرضى الاكتتاب والقلق وغيرهم فهم اكثر قدرة على العطاء من خلال المتابعة وبذل الجهود الاجتماعية وشرح طبيعة المرض للأسرة فالمريض العصابي قادر في معظم الأحيان على أن يقوم بأي عمل ولكن بشريطة أن يوجه الى الطريق السليم ويعرف بكيفية التعامل مع كافة ضغوط الحياة سواء في الأسرة أو المجتمع. ولقد رأينا الكثير من النماذج التي تم التعامل معها واحرزت تقدما باهرا في حياتها. ويبرز دور الأسرة في اظهار قدرات المريض النفسي من خلال معرفتهم بطبيعة المرض الذي يعانيه المريض وعدم الاكتفاء بملاحظة تحسن حالته دون ادراك ووعي بالمشكلة الرئيسية. بالاضافة الى ان بعض الأعراض لدى المريض قد تكون تعبر عن مشكلات في العلاقات بين افراد الأسرة أو عدم القدرة على التوافق مع الآخرين. فإذا توافرت هذه المعرفة لدى جميع افراد الأسرة ومع الاستمرار بالمتابعة في الجلسات العلاجية فإن ذلك من شأنه أن يساعد المريض على العطاء والانجاز والعمل وأن يكون له دور ايجابي في محيطه في حدود ذكائه واستعداداته وميوله فكثيرا ما يكون الخمول والسلبية مؤشرات لتدهور حالة المريض وزيادة الصراعات النفسية. ولا نغفل دور المجتمع في تفعيل دور المريض النفسي وابراز طاقاته وهذا لا يتأتى إلى من خلال تثقيف كافة قطاعات المجتمع بالمرض النفسي والتعاون معا على توفير البرامج التي تساعد المريض على تطوير قدراته وامكانياته. وعن التنسيق مابين المستشفى والأسرة قالت الأخصائية الاجتماعية سلمى مدني العلاقة بأسرة المريض النفسي تبدأ من الحضور الى المستشفى سواء لتنويم المريض ولفتح ملف بالعيادات الخارجية. ويبدأ العمل بإجراء بحث اجتماعي نفسي يتضمن المعلومات الأساسية عن حياة المريض وتاريخ وضع المريض وظروفه الاجتماعية ككل وذلك بهدف فهم البيئة الحالية والماضية للمريض والتعرف على دور أفعال المريض لما يقع في بيئته. اذا كانت الحالة المرضية يمكن علاجها من خلال المراجعة بالعيادات الخارجية فإن العمل مع الأسرة يتضمن: طمأنتها وشرح صبيعة الحالة المرضية والعمل مع الأسرة لمساعدتها على مواجهة المشكلات التي قد تنجم عن الحالة المرضية وتؤثر على المريض وأسرته سواء من النواحي الاقتصادية/ الوظيفية/ العلاقية. اذا اقتضت الحالة المرضية تنويم المريض فإن العمل مع الأسرة يتضمن التالي: عمل بحث اجتماعي نفسي شامل عن المريض وحياته وتاريخه وظروفه الاجتماعية والاقتصادية والأسرية والدراسية والوظيفية ومشاركة الأسرة في تفهم أهمية تلك المعلومات للفريق العلاجي القائم على علاج مريضهم، حين تستقر حالة المريض ويسمح الفريق المعالج بخروجه في اجازة علاجية يتم العمل مع الأسرة لتهيئتها لتقبل عودة المريض وتوضيح الدور المتوقع منها لمساعدة المريض على استمرار التحسن وذلك من خلال: تقييم مدى التحسن أو التغير في حالة المريض من خلال اعطاء ملاحظات عن تفاعلاته وعلاقاته وسلوكياته أثناء وجوده بالمنزل، مناقشة توقعات الأسرة للتغير الذي طرأ على المريض نتيجة حالته المرضية ومساعدتهم على تقبل واقع المرض بما يحمله من حد لقدرات المريض وتغير في ادارة الأدوار المختلفة، بعد عودة المريض من الاجازة العلاجية يستمر تدعيم وتشجيع الأسرة على الاستمرار في الزيارات والاتصالات الهاتفية بالمريض، وذلك تمهيدا لخروجه النهائي وعودته إلى الأسرة والمجتمع، الانتظام في مقابلة الأسرة (في مواعيد المراجعة للعيادات الخارجية) ومساعدتها على أداء دورها في استقرار وتحسن الحالة المرضية وذلك من خلال العمل معها لمواجهة ما يقابلها من مشكلات وضغوط ناتجة عن الحالة المرضية أو مؤثرة عليها، ومساعدة المريض على مواجهة المشكلات التي قد تطرأ والعمل لمساعدته على ايجاد حلول لها. كما تحدث الأخصائي النفسي موسى الحقوي عن دور الاسرة تجاه المريض النفسي قائلا: المرض النفسي أنواع ودرجات فقد يكون خفيفا يتصف ببعض الغرابة على شخصية المريض وسلوكه وقد يكون شديدا حتى يدفع بالمريض الى الانتحار ويتوقف علاج المرض النفسي على نوعه ومداه وحدته فقد تعالج بعض الحالات في العيادات الخارجية بينما تحتاج بعض الحالات الى العلاج داخل المستشفى. وان التدخل الاسري من اهم العوامل في العلاج وخفض نسبة الانتكاسات ويجب على عائلة المريض ان تستوعب طبيعة المرض وتتقبل وتتحمل بعض تصرفات مريضهم، والتعرف على اسباب المرض واحتمالات الشفاء منه. وعدم النقد المستمر وتحسيس المريض بنفسه وهويته ومساعدة المريض على اكتساب المهارات الاجتماعية التي فقدها أثناء مرضه وتشجيعه على الاختلاط دون تحد لقدراته وامكانياته. وتخفيف الضغوط البيئية لتدعيم توافقه اجتماعيا وتشجيعه على العمل وانتزاعه من التمركز حول النفس وتوجيه نشاط المريض الزائد الى وجهات بناءة وعملية ورقابة والاشراف على النواحي الاقتصادية لدى بعض المرضى. ويجب الاهتمام والامتثال والانتظام في اعطاء المريض العلاج الدوائي والتأكد من ان المريض يتناول دواءه كما هو مطلوب والمحافظة على المواعيد الطبية وعدم قطع الاتصال بالفريق الطبي العلاجي لمجرد تماثل المريض للشفاء. كمايجب ملاحظة التغيرات السلوكية على المريض ومعرفة بوادر الانتكاس للمرض والاتصال بالمعالج لأخذ الاستشارة أو احضاره للمستشفى. أما عن دور العلاج بالعمل قالت أخصائية التأهيل بالعمل غادة الغامدي عن هذا الجانب ان العلاج بالعمل يعتبر من أهم الأمور التي تقدم للمريض النفسي، فهو من الطرق المتبعة في تفريغ الضغوط المكبوتة داخل المريض فتهون لديه الواقع وتعزز له الثقة في نفسه وفي الآخرين. هناك جوانب عدة لدى المريض النفسي من الممكن استغلالها بشكل ايجابي وتنعيتها.. سواء كانت جسدية أو نفسية، بشرط أن يكون كل ما يقدم للمريض متأقلما مع طبيعة المرض لكل مريض على حدة وعلى المرضى النفسيين بشكل عام. لا يخرج عن الاطار البيئي للمريض سواء كان اجتماعيا او دينيا، حتى يتسنى للمريض حياة اكثر مرونة وواقع أجمل.