منذ ما (يقرب) من الخمسين عاما كتب الأديب الكبير أحمد أمين في مجلة (الثقافة المصرية) مقالة جاء فيها: تمنيت لو أنني أضحك من اعماق قلبي ضحكة صادقة غير متكلفة أحس بها تزلزل كياني وتغيبني عن الواقع ولو للحظات قصيرة.. قال هذه المقولة في الوقت الذي كانت فيه مقاهي مصر ومنتدياتها ودور الصحف فيها تكاد تكون مجمعات للفكاهة والمرح.. وكانت تصدر بمصر آنذاك العديد من المجلات والجرائد المتخصصة بفن الفكاهة. ثم ضرب الزمن ضربته وأصبح المواطن المصري يلي المواطن العربي مشغولا بنفسه أو بالتعبير المصري يدور حول نفسه في دائرة لا تنتهي من مطالب الحياة ومشاكلها وأصبح التجهم والتكشير سمة ظاهرة على الوجوه بعد أن فارقت الابتسامة الشفاه مع أن الفكاهة مطلب ضروري من ضرورات الحياة.. وهذا ما عناه الدكتور احمد محمد الجوفي في مقدمة كتابه (الفكاهة في الأدب العربي). في حياة الأفراد والجماعات مراحل من الكد والجد قد تصل بهم الى النصب والاجهاد.. ولو طال الزمن بنصبهم واجهادهم لبلغ الى السأم والملال. فلم يكن بد من فترات تتخلل ساعات العمل المضني أو التفكير المتصل يتخفف فيها العاملون والمفكرون من أثقالهم ومن قسوة أعمالهم، ثم يقول: وخير ما يتجدد به نشاط هؤلاء وأولئك هو الضحك والفكاهة لا فرق في ذلك بين بداة ومتحضرين ولا بين علماء وجهال ولا بين كبار وصغار. لكن.. هل نضحك من كل أمر مثير للضحك بغض النظر عن مصدره وملابساته؟ الجواب: لا.. لأن الذي يضحكنا لابد أن يكون إنسانيا من إنسان أو إلى إنسان أو عن إنسان.. ولابد في المضحك أن يتجرد من إثارة انفعالاتنا وعواطفنا.. وأن تتحقق في المضحك الروح الجماعية إذ ليس من الشائع أن يضحك الإنسان وحده علما بأن الفكاهة لا تستملح من كل شخص وإنما تستملح من الشخص الفكه الموهوب البارع في تصوير المواقف والتعبير عنها كالشاعر ناجي بن داود الحرز الذي حاول من خلال هذه المجموعة الشعرية المرحة ان يرسم الابتسامة على الشفاه وأن يعيد المرح الى الوجوه، وإن كانت بعض القصائد تشير الى واقع مر أليم أطفأت اواره الروح المرحة التي صيغت بها صوره وتعابيره التي تقدم البكائية في صورة مرحة ضاحكة لأن ناجي الحرز - كما يقول عادل يوسف الرمل - لم يكتف بزرع ابتسامة كسحابة صيف، فقد خلق صدى يتمطى في جسد القارىء ويدعوه للضحك كلما هم بالإقلاع عنه. وتعالوا ندخل الى عالم ناجي الحرز الضاحك ابتداء من أمنيته لطبيب تسبب له في بعض المضاعفات: ==1== ليتهم أبقوا هنا في==0== ==0==هجر بعض السواني لربطناك بإحداهن==0== ==0==مثل الحيوان ووجدنا لك شغلا==0== ==0==بين بغل وحصان ==2== أما تلك الدجاجة التي أثار ثائرتها ما يفعله الإنسان بالحيوان خاصة الدجاج: ==1== لما رأت نار (المناتف) حاصرت==0== ==0==بالنائبات سلالة الصيصان وتدفقت زمر الدجاج الى لظى==0== ==0==الشفرات تسقى الموت كالخرفان ==2== تطوعت.. وتقدمت للغداء فتسللت في الظلام لزرع الألغام بين (القير) والشكمان ==1== فإذا بها بين المراوح تنهب==0== ==0==الاعضاء يا للهول والخسران فتجندلت بين الحديد عفيرة==0== ==0==بدمائها في هيبة الفرسان ==2== وعندما تزوج اثنتين أعجبته التجربة في البداية.. وظن أن حظه حباه بمتعتين يقطف من أيهما شاء: ==1== رضا هذي ينبه ود هذي==0== ==0==فتجهد في اجتذابي مستزيده فأدخل للسعادة كل باب==0== ==0==لها بين الخريدة والخريدة بهذي جولة وبتلك أخرى==0== ==0==كذاك تمر أيامي السعيدة ==2== لكن الأيام بعد ذلك قلبت له ظهر المجن فتغيرت أموره وأحواله الاجتماعية والمادية.. فقال: ==1== إذا أمسيت نودي: أين حقي==0== ==0==أمدخر لبنت الفاعلين وإن أصبحت عاجلني المنادي==0== ==0==حذار تجيئنا خالي اليدين لهذي (لستة) ولتلك أخرى==0== ==0==فلا أخلو من إحدى (اللستتين) (فتسبلت) الرصيد وما تبقى==0== ==0==من الآلاف غير (طويلتين) ==2== والشعراء في زماننا إن لم يكونوا من المداحين المهللين الذين تنهال عليهم العطايا والهبات. فهم في معيشة تحكي معيشة عبدالحميد الديب واحمد الصافي النجفي لا يملكون من قطمير، لذا يحذر الحرز من التعامل مع الشعراء بالدين: ==1== واذا اشتريت بضاعة==0== ==0==بالدين من دكان شاعر فاعلم بأنك عرضة==0== ==0==لهجائه في كل عاير فاذا دفعت حسابه==0== ==0==فلقد أمنت من المخاطر ==2== إن الحرز بهذه القصائد المرحة نبه في النفوس الرغبة في المرح البريء الذي تنداح على صفحته ابتسامات السرور، غير أن ما يفسد هذه المقطوعات هو النفس الطويل الذي يشغل مساحة من فكر القارىء ويبعده عن الهدف المقصود من القصيدة (النكتة).