تكمن قوة أي مجتمع فيما يمكن تسميته برأس المال البشري فيه. ورأس المال البشري ليس عبارة عن أعداد من البشر فحسب، بل أفراد ذوو مستويات فكرية ومهنية وسلوكية عالية تشكل قوة للمجتمع ومصدر ثراء له. ويمكن هنا تصور هذه القوة في وجود نموذج لانسان متطور ومتقدم، تتوفر به صفات نوعية تجعل منه قوة فعلية في مختلف المجالات. أي نموذج إنساني تتوفر به أولا قدرات عقلية وثانيا مهارات مهنية ، وثالثا أشكال سلوكية تجسد قيما إنتاجية وأخلاقية. وعند القاء نظرة على خريجي المدارس والمعاهد والجامعات الذين يمكن اعتبارهم رأس المال البشري، يتبين أننا لا نحصل من الخريجين على نسبة كبيرة مما يمكن أن يقتربوا من هذا النموذج. فما نحصل عليه في الواقع عبارة عن نوعيات في غالبها تشكل ضعفا في المحصل النهائي للسكان. فلقد جاء في تقرير لوزارة الاقتصاد والتخطيط صدر قبل مدة: « أن هناك نقصا شديدا في الكفاءات المؤهلة والمدربة تدريبا عاليا في إعداد خطة التنمية العاشرة والدراسات المساندة»، والأمر ينطبق على كثير من المجالات. آن الأوان أن نوجد وحدة تقوم بتخطيط القوى العاملة تابعة لوزارة الاقتصاد والتخطيط، مكونة من خبراء متخصصين في التنمية البشرية، تكون مهمتهم الدائمة جمع وتحليل المعلومات والاحصائيات عن المستويات، ومدى ملاءمة النوعيات والأعداد المتوفرة لطبيعة الطلب في سوق العمل. ويترتب على ضعف القوى البشرية كنتيجة طبيعية تدني الناتج القومي غير النفطي ومشكلات كثيرة من أهمها البطالة وزيادة معدلات الحوادث والجريمة وغيرها. ولنا أن نتصور لو بقي الحال على ما هو عليه وودعنا عصر النفط، هل سنستطيع إعالة أنفسنا بالاعتماد على القوى البشرية الحالية؟ ورغم أن خطة التنمية التاسعة أكدت على أهمية رأس المال الإنساني إلا أنه عمليا يمكن القول ان قوى المجتمع لدينا هم في الغالب عبارة عن شباب من خريجي الثانوية أو الجامعات الذين ليست لديهم المهارات التي يمكن توظيفها بشكل جيد في سوق العمل. وقد تُركت قوى المجتمع للتشكل العشوائي من الناحية المهنية، فهي لا تخضع لتخطيط مبني على دراسة إحصائية للاحتياجات المختلفة. وقد يعود السبب إلى أننا لم ندرك بعد على مستوى صناعة القرار أهمية ما يسمى برأس المال البشري، ولا توجد لدينا جهة متخصصة في تنميته. وقد آن الأوان أن نوجد وحدة تقوم بتخطيط القوى العاملة تابعة لوزارة الاقتصاد والتخطيط، مكونة من خبراء متخصصين في التنمية البشرية، تكون مهمتهم الدائمة جمع وتحليل المعلومات والاحصائيات عن المستويات، ومدى ملاءمة النوعيات والأعداد المتوفرة لطبيعة الطلب في سوق العمل. كما تكون مهمتهم التنبؤ بحجم الطلب المستقبلي على المهن المختلفة، ووضع مواصفات لما ينبغي أن يتوفر في الخريجين من قدرات فكرية ومهارات مهنية وسلوك. كما يجب أن تقدم هذه الجهة توصيات لكيفية تطوير أنظمة التعليم والتدريب. وينبغي أن تستجيب للمواصفات التي تضعها هذه الجهة الجهات المشرفة على التعليم والتدريب، وأن تعمل كحلقة وصل بين وزارة التخطيط ووزارة العمل ووزارة التجارة ووزارة التربية والتعليم وزارة التعليم العالي والمؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني ، حتى يوجد تكامل بين هذه الجهات لتحقيق التنمية الفعالة لرأس المال البشري والتوظيف الجيد له، وألا تعمل هذه الجهات بشكل مستقل عن الأخرى. إننا يجب أن نتعامل مع الإنسان كمنتج له مواصفات ومقاييس، حتى نوجد قوة عمل حقيقية. Abdullahrbaker@ تويتر