شيشهد سوق النفط العالمي تغيرات جذرية، وتتسارع وتيرة بناء واستثمار مشاريع جديدة في مختلف مناطق العالم، حيث يمكن القول أن الدول المستهلكة تتبنى خطة استراتيجية جديدة تهدف إلى تقليص الاعتماد على بترول أوبك وبالأخص بترول الدول العربية. والمتابع للشأن النفطي يرى أن من الأهداف التي تسعى الدول الصناعية وعلى رأسها أمريكا الى تحقيقها هي البحث عن مصادر جديدة للطاقة، حيث تم تخصيص أكثر من 20 مليار دولار لتمويل عمليات تنقيب وتطوير قدرات الإنتاج في روسيا وأفريقيا وبحر قزوين ، مما يمكن اعتباره بداية للتنافس الكبير بين الدول الصناعية لإيجاد مصادر طاقة جديدة.. لا أحد يستطيع إنكار الدور الناجح والمتوازن الذي تمارسه المملكة ضمن أهداف منظمة "أوبك"، بهدف ضمان استقرار السوق النفطية وكسب ثقة الدول المستهلكة، الشئ الذي ساهم بشكل مباشر في استعادة المنظمة أهميتها كقوة لا يستهان بها فيما يتعلق بشئون الطاقة وتوازن العرض والطلب في أسواق النفط العالمية. فمن خلال اعتماد سياسة ونهج متزن استطاعت الدول المصدرة التأثير ليس فقط على الحد من تعرض الأسعار لتقلبات شديدة بل نجحت بجعل المواطن الغربي يكتشف أن ارتفاع أسعار الوقود والطاقة سببها الرئيسي هو الضرائب الباهظة التي تفرضها الدول الصناعية، ولهذا تعرضت عدة عواصم غربية إلى احتجاجات من قبل مواطنيها، تشكو من ارتفاع الضرائب التي تسببت في ارتفاع أسعار الوقود على المستهلك الأخير. إلا أن أوبك تتعرض لضغوط مختلفة بسبب السياسة الدولية الجديدة، تحد من إمكانياتها في مواجهة التحديات، ومن أهم التحديات التي تواجهها هي تفاقم الأزمات الاقتصادية في بلدان مثل نيجيريا وفنزويلا. ولا ننسى أن روسيا استطاعت خلال الفترة ما بين 1999 و2001 مضاعفة قدراتها الإنتاجية رغم مرورها بأزمات اقتصادية وارتفاع تكلفة الإنتاج مقارنة بدول الخليج . وخلال الفترة ما بين عامين 2000و 2001 استطاعت الدول المنتجة من خارج أوبك زيادة إنتاجها النفطي بنحو مليوني برميل يوميا، استحوذت زيادة الإنتاج الروسية على أكثر من نصف هذه الزيادة أي بما يزيد على المليون برميل يوميا، علما بان روسيا تمتلك احتياطيا هائلا من النفط والغاز وتتطلع لدور بارز في سياسة الطاقة العالمية في العقود المقبلة. ولطمأنة واشنطن والدول المستوردة أكد المسؤولون الروس أن بلادهم لا تنوي الانضمام لأوبك أو الاستمرار في تخفيض الإنتاج على المدى البعيد. ومن الواضح أن استمرار ارتفاع أسعار البترول فوق العشرين دولارا في السوق العالمية سيخدم على المدى البعيد مخططات الولاياتالمتحدةالأمريكية بتوجيه استثمارات الشركات العملاقة نحو تطوير حقول جديدة ورفع إنتاجية مناطق أخرى خارج منطقة الخليج. ولنا مثال في ما حصل بعد الهبوط الحاد للأسعار خلال عام 97 عندما أعلنت شركات مثل بريتش بتروليوم وشفرون عن عدم الرغبة بضخ مزيد من الاستثمارات في منطقة بحر قزوين، لكن وبعد معاودة ارتفاع السعر فوق 20دولارا تشجعت هذه الشركات وتستثمر الآن رؤوس أموال ضخمة في عدة مناطق. وتجب الإشارة هنا الى أن السبب الرئيسي وراء اندفاع الدول الصناعية مثل كوريا واليابان نحو تطوير حقول في مناطق جديدة هو ارتفاع الأسعار والتخوف من عدم استقرار الإمدادات. كذلك تبحث الدول المستوردة عن اتفاقات طويلة الأجل وطرق تصدير جديدة لرفع معدل الثقة المتبادلة وطمأنة قطاع الصناعة والمستهلكين باستقرار الأسعار والإمدادات. ولهذا السبب تتجه روسيا لتطوير وتنويع طرق التصدير حيث تشجعت العديد من الدول سواء في آسيا أو شمال غرب أوروبا على بحث اتفاقات طويلة الأجل مع روسيا، خاصة بعد إنشاء الأنابيب لتصدير النفط الروسي . أضف إلى ذلك المرونة وسرعة التباحث بين المخططين الروس والشركات العالمية مما يدل على تركيز الجهود لكسب علاقات وأسواق استراتيجية لصادرات الطاقة، وهذا ما دفع الروس نحو البدء بإنشاء خط أنابيب يربط بين الصين ومنابع النفط في روسيا. إلا أن المملكة تعتبر أكبر منتج للبترول وتمتلك احتياطيا يزيد على ربع الاحتياطي العالمي، لذلك فهي مهتمة وبشكل متواصل بتحديث استراتيجيات العمل، ورسم الخطط التطويرية والعمل على إيجاد خطط تسويقية طويلة الأمد. فالتأثير التي خلفته أحداث سبتمبر على سوق البترول لا يتوقف عند حد تقلب الأسعار فخلال أقل من ستة اشهر فقدت الأسعار ما يقارب 30بالمائة من قيمتها لتتراجع الأسعار من 25دولارا للبرميل في أغسطس 2001 إلى ما يقارب 17دولارا مع نهاية عام 2001. ويعود تراجع الاسعار لتوقعات المضاربين وغيرهم بأن الاقتصاد العالمي يتجه نحو فترة طويلة من الركود الاقتصادي مما يؤدي لتراجع حاد في الطلب. لكن ما السبب الرئيسي خلف التصحيح السريع في اتجاه الأسعار لترتفع أكثر من 63بالمائة بالنسبة لمعدل الأسعار في ديسمبر 2001م وتتخطى 26دولارا للبرميل خلال أقل من 8أشهر في العام الحالي 2002، وهل نعتبر أن الأرقام التي تصدرها وكالة الطاقة الأمريكية بالنسبة لانخفاض أو ارتفاع المخزون هي أرقام صحيحة أم أنها تهدف لتضليل المضاربين بحيث يستمر ارتفاع الأسعار لتشجيع الشركات العملاقة على الاستثمار وتطوير حقول جديدة في أفريقيا ومناطق أخرى. فمن الصعب تقبل أن ما يدفع الأسعار نحو الارتفاع في الوقت الحالي هو السرعة التي يستعيد بها الاقتصاد العالمي عافيته خاصة مع استمرار الضغوط على البورصات العالمية وتعرض عدة اقتصاديات هامة لكوارث طبيعية وغير طبيعية. وفي الجانب الآخر يمكن القول ان التهديد بضرب العراق قد يؤدي لزيادة سعرية تقدر بأكثر من دولارين، إلا أن بعض المضاربين لا يعرفون أن هناك دولا وطاقة إنتاجية إضافية يمكنها تعويض السوق عن الكمية المفقودة في حال توقفت الصادرات العراقية. ومن الطبيعي أن نطمح بأن تصبح بلادنا العربية مرجعاً لكل شيء يتعلق بالصناعة البترولية وأن تكون ردة فعلنا للأحداث الراهنة هي العمل للحفاظ على الثقل المناسب لقدراتنا الإنتاجية وحجم الاحتياطي الذي نمتلكه، وأن تصبح الدول العربية مركزا لبورصة عالمية تتعامل بعقود البترول الآجل ومشتقات عقود النفط أسوة بسوق شيكاغو وسوق نايمكس في نيويورك وبذلك نتابع عن قرب ما يود القيام به المضاربون والمتعاملون في العقود الآجلة لسلعتنا الإستراتيجية.