لم يكن فوز اديب مصر العالمي نجيب محفوظ بجائزة افريقيا لأحسن مئة كتاب في القرن العشرين سوى حلقة جديدة في مسلسل الاحتفاء والتكريم الذي يلاقيه دوما ابداع هذا الرمز الادبي الكبير الذي حصل على لقب عميد الرواية العربية بشكل تلقائي من النقاد والجمهور معا. الجائزة حصل عليها اديبنا عن "الثلاثية" أي رواياته الثلاث "بين القصرين" و"قصر الشوق" و"السكرية" وبالتأكيد فإن لهذه الجائزة دلالة خاصة نحاول هنا ان نرصدها. تعود قصة الجائزة الى العام الماضي حيث طلبت الهيئة الدولية التابعة لمعرض زيمبابوي الدولي للكتاب بالاشتراك مع اتحاد الناشرين الافارقة واتحاد كتاب افريقيا من عدد من الناشرين ترشيح مجموعة من الكتب لمسابقة افضل مئة كتاب في افريقيا خلال القرن العشرين وبالفعل قامت دور النشر بترشيح اكثر من 1725 كتابا وقامت لجنة تحكيم ضمت عددا من الروائيين واساتذة الجامعات من افريقيا وفرنسا وانجلترا بقراءة الأعمال المشاركة في المسابقة. المرحلة التالية تمثلت في تصفية الكتب المرشحة للمسابقة الى خمسمائة كتاب ثم بدأت بعد ذلك لجنة التحكيم في اعادة فرز الكتب من جديد وتم تصفيتها بعد جلسات ومناقشات طويلة الى مائة كتاب وفازت مصر بست جوائز ووقع اختيار اللجنة على "الثلاثية" لتكون ضمن افض عشرة كتب افريقية صدرت في القرن العشرين. اما الجائزة نفسها فعبارة عن تمثال زجاجي لقارة افريقيا على قاعدة رخامية كتب عليها اسم "الثلاثية" واسم نجيب محفوظ. السؤال الذي يفرض نفسه الآن الى أي حد تنطوي هذه الجائزة على أهمية في ظل الاحتفاء العالمي البالغ للأدب الروحي للابداع العربي وهو الاحتفاء الذي لم يتوقف بحصوله على جائزة نوبل. الأديب ابراهيم عبدالمجيد يجيب عن هذا السؤال قائلا: ينبغي ان ننتبه الى معنى جيد تنطوي عليه هذه الجائزة وهو اعادة الاعتبار الى الفضاء الافريقي، فقد اعتدنا دائما على ان يأتي التقييم والتقدير من الغرب، ورأينا في هذا السياق مهازل عجيبة تتعلق بالترجمة واللهاث وراءها فقد أصبح الكاتب العربي لا يشعر بالثقة إلا اذا منحه الغرب شهادة "المصداقية" وتأتي جائزة افريقيا كخطوة اولى في اتجاه تصحيح هذا الوضع واعادة الامور الى نصابها، فنحن لا نعادي الغرب وأنا شخصيا ترجمت رواياتي الى العديد من اللغات الأوروبية، ولكن في نفس الوقت هناك كتاب صادر عني لمؤلفة صينية وهذا اتجاه جيد فيجب ان تتعدد فضاءاتنا الافريقية والآسيوية ولا يكون الغرب هو الجهة الوحيدة التي نتطلع اليها. ويتفق الروائي بهاء طاهر مع هذا الرأي قائلا: يجب ان نشجع مثل هذه المبادرات الافريقية والآسيوية في اطار تعدد الثقافات ومناهضة المركزية الغربية، فكل ذلك يصب في النهاية في خانة مصلحة الابداع الانساني ككل، ولا ننسى التجربة الرائدة لاتحاد الكتاب الافروآسيويين في الستينيات حين ادباء افريقيا وآسيا يشكلون تيارا فاعلا له منظماته ومطبوعاته القوية ضمن تيارات الثقافة العالمية. من ناحية اخرى كان الشاعر عبدالرحمن الابنودي احد الحاصلين ايضا على نفس الجائزة عن ديوانه "الموت على الاسفلت" يقول الابنودي: لن اتحدث عن نفسي، ولكني فقط أود أن أشير الى أنه دائما ما يشرف المبدعون بالجوائز ويعتبرونها وساما على صدورهم ولكن هناك قلة قليلة من المبدعين هم الذين يعطون الجوائز المصداقية والشرف، ومن ضمن هؤلاء اديب مصر العالمي الاستاذ نجيب محفوظ الذي يفيض عذوبة ورقة وتواضعا ورغم حالته الصحية إلا أنه في حفل تسلم الجائزة من وكيل وزارة الثقافة المصري لم يكف عن مداعبة الحاضرين وامطارهم بوابل من "القفشات الحراقة". يذكر ان الظروف الصحية لنجيب محفوظ حالت دون سفره الى جنوب افريقيا لتسلم الجائزة وتسلمها بالنيابة عنه سمير نجيب وكيل الوزارة.