عادة ما يصاحب مرضى الاطفال بكاء مستمرا وحرارة مرتفعة واستفراغا تدفع بالوالدين الى الاسراع باستشارة الطبيب لكن ماذا لو كانت عوارض المرض صامتة ومتخفية. هذا الهاجس الذي يقلق الوالدين ينطبق على مرض ارتشاح الاذن الوسطى عند الاطفال وهو المسبب الاكثر انتشارا لضعف السمع لديهم وخاصة قبل سن السادسة حيث يصاب 80 منهم بالمرض مرة واحدة على الاقل. ويقول استشاري أمراض الانف والاذن والحنجرة الدكتور حسام عبد الفتاح أن المشكلة الرئيسية في اكتشاف الحالة وعلاجها هو عدم وجود أعراض حادة تلفت انتباه الوالدين مثل الالم وارتفاع الحرارة خاصة في المراحل الأولى. واضاف فى حديث خاص مع وكالة الانباء الكويتية (كونا) أن كل ما يمكن ملاحظته هو ضعف السمع لدى الطفل وميله الى رفع صوت التلفزيون وقلة التركيز وعدم الانتباه للاصوات الخافتة. أما عن الاسباب التي تؤدي الى تجمع السائل خلف غشاء طبلة الاذن الوسطى فيقول أن السبب الرئيس لهذا الارتشاح هو عدم أداء قناة تهوية الأذن الوسطى لوظيفتها بالطريقة السليمة. وأضاف الدكتور عبد الفتاح ان هذه القناة تعمل على تهوية الأذن الوسطى ومعادلة ضغط الأذن الوسطى مع ضغط البلعوم الأنفي وبالتالي الضغط الجوي. وأشار الى انه في حال اختلال وظيفة هذه القناة ينخفض الضغط داخل الأذن الوسطى وتتراكم السوائل داخلها وتتكرر التهاباتها. اما عن العوامل التي تؤدي الى اختلال وظيفة قناة التهوية فقال الدكتور عبد الفتاح أنها تتضمن أسباب وراثية مثل حالات شق سقف الحلق وبعض الامراض الوراثية مثل متلازمة داون والاسباب التي تؤدي الى انسداد أو احتقان فتحة هذه القناة من ناحية البلعوم الانفي مثل تضخم والتهابات اللحمية خلف الأذن والتهابات الأنف والجيوب الأنفية وحساسية الأنف. وقد أثبتت الدراسات أن نسبة حدوث ارتشاح الأذن الوسطى تزداد بين الأطفال عندما يكون أحد أو كلا الوالدين مدخنا لان التدخين السلبي يؤدي الى نفس الاضرار المعروفة للتدخين لدى الاطفال وخاصة عند استنشاق الاطفال للهواء الملوث بالدخان في الأماكن المكيفة المغلقة التي تعتبر سيئة التهوية. وهنا أشار الدكتور عبد الفتاح الى أن الدراسات تفيد أن ثلث حالات الاصابة بارتشاح الأذن الوسطى سببها التدخين السلبي خاصة لدى أبناء المدخنين مشيرا الى ان العلاج يكون انجح بكثير بعد الابتعاد عن الاجواء الملوثة بدخان السجائر كما أن اكثر حالات فشل العلاج الدوائي والحاجة لاجراء جراحة سجلت لدى أبناء المدخنين. ووجه الدكتور عبد الفتاح دعوة لجميع الجهات المسؤولة للتشدد في منع التدخين في كل الاماكن العامة وخاصة الاماكن المغلقة. وحول تأثير المرض على السمع قال ان الطفل يعاني بسببه من انخفاض مؤقت في قدرته على السمع وقد قدرت الدراسات نسبة ضعف السمع ب 25 الى 30 ديسيبل /وحدة قياس وحدة الصوت/. وقد أثبتت بعض الدراسات أن هذه النسبة قد توثر على اكتساب الطفل للغة والمحادثات وعلى تحصيله الدراسي. كما أثبتت أن مدة ارتشاح الاذن عند الأولاد تستمر لفترة أطول من البنات وترتفع النسبة أيضا لدى الأطفال الذين يتنفسون من الفم عمن يتنفسون من الأنف طبيعيا. وحذر الدكتور عبد الفتاح من أن عدم العلاج في الوقت المناسب قد يؤدي الى تلييف داخل الأذن الوسطى وضمور غشاء طبلة الاذن قد يؤدي بدوره الى تآكل عظيمات السمع والتهاب مزمن في الاذن الوسطى. وتقول خلود سعد وهي أم لطفل تحت السنة من العمر انها تراجع الطبيب بشكل دوري خوفا من اصابة ابنها بارتشاح بالاذن الوسطى خاصة انه تعرض في السابق لالتهابات في الأذن ومنعا لاي مضاعفات. وبهذا الصدد يشدد الدكتور عبد الفتاح على ضرورة مراجعة الطبيب بعد الانتهاء من علاج حالات الاصابة بالتهابات الأذن لأنها تودي في كثير من الأحيان الى الاصابة بارتشاح الأذن الوسطى. أما فيما يتعلق بالعلاج فيقول الاستشاري أن نسبة كبيرة 50 الى 60 في المائة من الحالات سوف تشفى تلقائيا بدون أدوية خلال ثلاثة شهور بينما ينجح العلاج بالأدوية في 80 في المائة من الحالات خلال شهرين. وتحتاج نسبة العشرين في المائة الباقية الى عملية بسيطة لسحب السوائل من الأذن الوسطى. وقد يصاحب ذلك تركيب أنبوبة تهوية حتى تقوم بوظيفة القناة الطبيعية وذلك الى حين عودة هذه القناة للقيام بوظيفتها وزوال أسباب مرضه وتجرى العملية بشق طبلة الأذن واستخراج السائل فقط أو شق طبلة الأذن مع اضافة أنبوبة للتهوية التي تختلف أنواعها باختلاف المدة المراد استمرارها. وتسقط الانابيب التي تطردها الاذن بعد فترة تستمر بين ستة الى ثمانية شهور حيث يحتاج المريض لعدة سنوات قبل استعادة الاذن الوسطى وضعها الطبيعي. أما الدكتور ياسر القحف وهو استشاري أطفال فيقول أن فحص الأذن من الأولويات التي يجب على الأطباء والوالدين مراعاتها خاصة في جو الكويت بعد الغزو العراقي والتلوث البيئي الذي سببه والذي بدأ يؤثر بشكل سلبي على صحة الأطفال والكبار معا. ويضيف انه لتقليل من معاناة أولادنا واصابتهم بارتشاح الأذن الوسطى يجب الحرص على عدم تعرضهم للهواء الملوث المحمل بدخان السجائر ويجب أن نحميهم من المدخنين من حولهم في الأماكن العامة كما يجب أن نبادر الى علاج التهابات الجهاز التنفسي قبل أن تتسبب في التهابات الأذن الوسطى وارتشاحها. وحث الدكتور القحف على ضرورة مراعاة طرق الرضاعة السليمة للأطفال مع الاهتمام بالرضاعة الطبيعية كلما أمكن ذلك. وأضاف يجب أن نكون دقيقي الملاحظة والانتباه لاي تغيير في سلوك الطفل وانتباهه واستجابته للاصوات حتى يمكن أن نكتشف هذه الحالة ونعالجها في الوقت المناسب. وقال أن الدراسات تشير الى ارتفاع نسبة المصابين بشكل كبير لدى الأطفال الذين يترددون على الحضانات ورياض الأطفال في سن مبكر حيث يتعرضون لنسبة أكبر من العدوى بالتهابات الجهاز التنفسي والرشح المتكرر واحتقانات البلعوم والأذن مما يوثر على أداء قناة التهوية للأذن الوسطى.