للنفس دسائس خفية (أعاذنا الله منها) تخفى على بعض أرباب العقول والدين والعلم فتختلط أمورها عليهم لما في النفوس من ضعف يجر الى غفلة وغفلة تجر أخطاء مردها موافقة النفس على الهوى ولو أننا تبصرنا في أمور كثيرة تمر علينا لأعيانا احتساب الزلل فحتى الطاعات والعبادات لا تخلو من أمور كهذه فنكون في وقت نظن فيه أننا نتطهر فإذا بنا نزيد من تمويه حقيقة النفس أمامها. يحكى أن عابدا مر في سياحة على مرج أخضر فأعجبه فقال في نفسه: أصلي في هذا الموضع ركعتين فأوحى الله إلى داود عليه السلام، قل لفلان العابد: إني لم أقبل منه هاتين الركعتين اللتين صلاهما في المرج الأخضر لأنه أشرك فيها نزهة نفسه، وأنا أغنى الشركاء عن الشرك. ومثل هذا الموقف كثير ففي الوقت الذي نظن أننا نحسن صنيعا نكتشف أننا نمعن في الخطأ، وفي الرياء ما فيه من طرائف هذا اللبس المحفوف بالمخاطر التي لا يسلم منها الا صاحب بصيرة نافذة. وقلب طاهر. فكيف بنا اليوم في زمن صار الرياء فيه علامة بارزة يتعامل بها من نصفهم بالأذكى والأقدر وأحيانا بالأخبث وهو الذي يروغ كما يروغ الثعلب ويلبس ألف رداء ورداء وأصبح التقييم البشري لهؤلاء مرهون بما يرون ويسمعون ومن هنا زاد رصيد الرضا الاجتماعي عن اخرى دون فئة وتفاعل ذلك الرضا مع سلم التقييم والتصنيف وزرع فيه بذور التلاعب بموازين الصدق والكذب حتى علا قوم وانخفض آخرون وفقا لتلك الموازين التي يراها كل العقلاء سوداء مشوهة ويراها أصحابها ويوقنون بكذبهم ولكنهم لا يرون منه إلا النجاح الذي وصلوا اليه على أكتاف الكذب والنفاق والرياء. إن عبادة الله والتقرب اليه لم تخل من ذلك عند بعض بني البشر الذين جعلوها طريقا لتذوق حلاوة ما تطيب لهم ويستلذونها وجاء من حولهم وأكدوها بجهل وانقياد وقد أجمع العارفون (على أن من علامات الرياء استحلاء العبادات لأن النفس لا تستلذ بعبادة إلا ان وافقت هواها ولو خلصت من الهوى لثقلت عليها فإن النفس الأبية لا تكاد تخضع لربها إلا بكلفة). هذا في العبادات فماذا عن العادات إن لها شأنا آخر نتحدث عنه لاحقا.