تهادوا تحابوا, هذا ما أوصانا به الرسول الكريم فالهدية طريقة سهلة ومحببة لتعميق الصلات, ولكن هل طبقنا فعليا تلك الوصية وهل مارسناها بالشكل الذي يجعلها فعلا أسهل الطرق للتواصل الاجتماعي؟ العبء الكبير هذا هو حال الهدية والتهادي الآن فهي مجرد عبء ثقيل وكبير فبعد أن كانت ألطف السبل للتواصل أصبحت الآن أقصر الطرق للتباعد الاجتماعي فالجميع يحاول إيجاد طريقة لتخليص نفسه من الالتزام الاجتماعي العام بالهدايا كهدايا الزواج وهدايا المولود الجديد وهدايا الميلاد وحفلات النجاح والوظيفة الجديدة والترقية والكثير الكثير من المناسبات. ومن واقع التجربة والمشاهدة نرى الكثيرات منا يسعون إلى عزل أنفسهن اجتماعيا خاصة في العلاقات المفروضة بحكم الوظيفة أو الجيرة حيث تحاول الكثيرات قصر علاقاتهن على الأهل والأقارب وذلك محاولة منهن لتخفيض ميزانية الهدايا الملزمين بها وذلك من خلال الانطواء الاجتماعي. تجارة الهدايا تحظى بعض السلع دون غيرها برواجها المستمر خلال فصول السنة كلها لاعتماد العامة عليها كهدايا ولكون المناسبات لا تتوقف ولا تبور في فصل عن آخر فقد نجحت التجارة الخاصة بتلك السلع نجاحا باهرا. للمجوهرات النصيب الأكبر السيد/ عمر الحرز مدير لأحد محلات المجوهرات في الدمام - يقول: تعتمد تجارة الذهب والمجوهرات على الطلبات الخاصة بالزواج وهي تعطي أرباحا كبيرة كون تلك الطلبيات هي الأعلى سعرا ولكنها تعتمد على مواسم معينة, ولكننا في عالم الذهب والمجوهرات نعطي اعتبارا كبيرا لطلبيات الهدايا ومع أن الجميع يراعي توافر السعر الأدنى في الهدايا إلا أن كثرة طلبيات الهدايا تعطي مكاسب كبيرة كونه قد لا يمر يوم علينا دون أن يكون هناك على الأقل طلبيتان للهدايا كما أن الهدايا لا يمكن أبدا حصرها في موسم معين لذلك قد نعتبرها هي الأكثر أهمية في مجال بيع الذهب والمجوهرات. البعض يفضلها ورودا وللورود نصيب كبير في التهادي والتهاني ومع أن أسعار الورود تعتبر مرتفعة جدا مقارنة بالفائدة التي يتحصل عليها المهدى له حيث لا تتعدى فائدتها سوى ابتهاجة بمشاركة من أهدى له تلك الباقة ولا يتبقى بعد ذلك سوى الأوراق المتساقطة والورود الذابلة ولا تبقى أي ذكرى أو إشارة لتلك المشاركة في حياة الكثيرين منا, والفواتير تتراكم بأعلى الأسعار علينا لدى محلات الورود والتي تعتبر من أنجح المشاريع في وقتنا الحاضر. السيد رشاد الراجحي (من محلات الرشد لبيع الزهور) يقول: بشكل عام لا تخضع تجارة بيع الورود لمواسم معينة حيث ان الاعتماد الاكبر على مناسبات قدوم المولود الجديد وبالتأكيد هي مستمرة طوال العام أما بالنسبة للمناسبات الأخرى فهي كثيرة جدا مثل الزواج والتهاني لمناسبات خاصة أو عامة مثل الأعياد وغيرها ولذلك هي مستمرة أيضا طوال العام ما عدا مناسبات الزواج التي تلاقي ركودا بسيطا خلال منتصف الإجازة الصيفية وبالنسبة للأسعار فهي تعتمد على رغبة الزبون نفسه فنحن نعمل باقة الورد على أساس القيمة المادية التي يحددها الزبون ومن واقع التجربة يعتمد الكثيرون على اختيار الباقة الأقل قيمة بالنسبة للإهداء للأشخاص غير المقربين أما المقربون ففي معظم الحالات يطلب أصحابها المبالغة في تكبير حجم الباقة حتى لو كان ذلك على حساب الشكل النهائي حيث قد تظهر بشكل غير جميل بعكس الصغيرة منها التي قد تلفت أنظار الكثيرين بروعة شكلها. مبالغات وإضافات قد لا تكون الهدية مشكلة بقدر الإضافات الأخرى فقبل أعوام بسيطة مضت كان الجميع يأخذ هديته بالشكل الذي استلمها به من المحل أو يلفها بيديه بورق يختاره ببساطة من أي مكتبة ولكن جدت مشكلة أخرى تتطلب إضاعة وقت أكثر بزيارة المحل المتخصص للف الهدايا واختيار الفكرة الجديدة والأسعار هنا تتفاوت حتى أن هناك الكثير من اللفات والعلب التي قد يتعدى سعرها سعر الهدية وحتى هدايا الأطفال طالتها تلك الشكليات ومن تلك المحلات الإضافية كره الجميع الهدية والمناسبات التي قد تحتاج لمثل تلك المعاناة مع اللف والدوران على كل تلك المحلات لمجرد هدية قد لا تعجب في معظم الأحوال المهدى إليه كون الأذواق مختلفة وما يعجبنا كمهدين قد لا يعجب بتاتا المهدى إليه. السيد(توني) موظف في أحد محلات لف الهدايا يقول: يردنا يومياً الكثير من الهدايا للفها حتى أن العدد قد يتعدى الأربعين هدية في اليوم الواحد عدا الزبائن الذين يشترون العلب فقط للفها وتغليفها شخصياً ولذلك وبشكل عام تعتبر هدايا المواليد هي الأكثر كوننا نستطيع تمييزها ولذلك يراعي دائماً أصحاب مثل تلك الهدايا اختيار التغليفة الأرخص سعراً أما هدايا الزواج أو تغليف (الشبكات) فهي الأغلى والأفخم حيث عادة لا يحدد الزبون القيمة إنما يفضل دائما اختيار الجديد والغريب من طرق التغليف دون مراعاة السعر وعن أغرب هدية قمت بلفها كانت بمناسبة ذكرى ميلاد لإحدى الفتيات حيث قامت صديقتان لها باختيار تغليفة جميلة من العلب المختلفة الأحجام بعدد اثنتي عشرة علبة وطلبوا لفها كل علبة داخل الأخرى دون وضع أي هدية وأعتقد أنها كانت للمزحة فقط أما عن أغلى تغليفة فقد كانت بسعر ألف وأربعمائة ريال اعتمدنا فيها على بعض العلب الفضية التي جلبتها الزبونة وبعض الورود الطبيعية. هل نستغني عن الهدايا؟ سؤال لابد من أن نواجه به أنفسنا هل نستطيع الاستغناء عن مشاركة من حولنا لمسراتنا عن طريق الهدية؟ وهل يمكن أن نبدأ بذلك من خلال عدم إهداء من حولك في كل مناسبة؟. بالتأكيد ستقول: لا أريد المبادرة بذلك ولكني أتمنى حدوث ذلك بين الجميع للتخلص من وطأة الهدايا. السيدة منى الحميد موظفة قطاع خاص تقول: أحب كثيراًُ الحصول على الهدايا ولكن في حدود الأهل فقط أما الهدايا الأخرى من الزميلات والصديقات فلا أرى لها أي داع فهي تحرج أكثر مما تبهج حتى اننا أصبحنا لا نقيم الدعوات حتى لا نحرج المدعوين بجلب الهدايا أما مناسبات قدوم المواليد فقد أصبحت مملة جداً. لي بعض الصديقات اللاتي أعتقد أنهن يلدن كل عام وفي كل مرة نلتزم بأخذ الهدايا وكأننا مرغمون على ذلك حيث اننا نتضايق من الاضطرار للذهاب للسوق واختيار هدية لمناسبة مملة ومكررة وإذا لم نأخذ معنا هدية لاتهمنا بالبخل وفي النهاية الهدايا لا تأتي مناسبة كون الأذواق غير متناسبة أساساً لذلك أفضل اقتصار الهدايا على الأهل فهي تكون أكثر يسرا وتختارها بحب وتستطيع الاستغناء عن تقديمها في حال عدم القدرة المادية دون أن يكون هناك أي حرج كون الأهل يقدرون ويعرفون أي ظرف لك. السيد محمد الفوزان موظف حكومي يقول: نحن الأزواج أكثر من يعاني من الهدايا فزوجتي مثلاً ومع كونها موظفة تلزمني بدفع قيمة كل الهدايا التي تأخذها لأي من قريباتي حتى لو كانت صديقة لصديقة إحدى قريباتي وكأني ملزم بذلك وبشكل عام ومن خلال مناقشتي مع الأصدقاء أرى أن النساء هن من افتعلن هذه المشكلة بمبالغتهن فليس من المفروض أن يأخذن الهدايا لكل من يعرفنه هناك مناسبات محددة ومعروفة ومقتصرة على المقربين فقط من الأهل أو الأصدقاء نستطيع تقديم الهدايا فيها أما بالشكل التي هي عليه الآن فأنا أرى أنها مجرد شكليات للمباهاة فقط دون أن تعني محبة أو تواصلا أو غيره من الأهداف المعروفة للهدية. الآنسة خولة الرزيحان معلمة تقول: أنا أنصح كل موظفة جديدة في أي مدرسة الا تقحم نفسها في علاقات قوية مع زميلاتها وإلا ستكون تلك العلاقات نقمة وهذا ما حدث معي ومع بعض الزميلات فرواتبنا تصرف معظمها على الهدايا فاليوم زميلة أنجبت مولوداً جديداً واليوم الثاني زميلة أخرى تزوجت وبعد كم شهر أنجبت وهذا هو حالنا في المقابل لم تحصل لي أي مناسبة لترد لي مثل تلك الهدايا فأنا إلى الآن لم أتزوج ولم أنجب لأجل ذلك قررت وأعلنتها فعلاً أن اكتفي من الهدايا ومن يحبني فليقبل بي دون هدايا وبالفعل كان تأثير ما أعلنته قويا وجميلا جداً حيث أيدت الكثيرات ذلك وهذا ما يجب أن يكون. رأي الشرع سئل فضيلة الشيخ المغفور له بإذن الله/ محمد بن صالح العثيمين عن الهدية للمواليد وفي حال كونها قد تثقل كاهل المسؤول المالي في الأسرة فقال رحمه الله: ان الهدية للمولود لا بأس بها في الأصل لأن الأصل في الهدية وفي جميع المعاملات الحل والصحة إلا ما قام الدليل على تحريمه فإذا ما جرت العادة بين الناس إذا ما ولد لهم الولد أهدى إليه أقاربه شيئاً من المال فلا بأس أن يفعل ذلك تبعاً للعادة والعرف لا تعبدا لله عز وجل لأنه لا يعلم شيئاً من السنة في استحباب ذلك لكنها عادة معروفة عند الناس إلا أن هذه العادة إذا تضمنت ضرراً على أحد فإن الضرر لا ينبغي سلوكه فلو كانت تلك الهدايا تثقل كاهل الزوج فإن ذلك ينهى عنه لما فيه من أذية الزوج وإحراجه أما ما جرت به العادة من التهادي بالشيء اليسير الذي يوجد المودة والمحبة فلا بأس به. أما عن الهدية المقدمة لموظف ملزم بالقيام بمصلحة ما لمن قام بإهدائه فقط أشار الشيخ يرحمه الله إلى قول الرسول صلى الله عليه وسلم ((هدايا العمال غلول)) فلا يحل لأحد قائم على عمل للدولة أن يقبل هدية من له عنده معاملة لأن ذلك يشبه الرشوة بل هو رشوة في حقيقته لأن هذا المهدي إنما أهدى ليتوصل إلى حقه الذي يجب على المهدى إليه القيام به.