يجهد ناشطون وسياسيون فلسطينيون لتحقيق برنامج سياسي واحد يضم جميع الفصائل والحركات مع السلطة الفلسطينية في وقت تبدو فيه المراهنة على امر كهذا مقامرة كبيرة. واكد مسؤولون من هؤلاء انهم توصلوا الى اختراق في صياغة وثيقة اعدتها لجنة الصياغة التابعة للقوى الوطنية والاسلامية في قطاع غزة تتضمن موافقة حركة حماس الاسلامية المعارضة على دولة فلسطينية في حدود الرابع من يونيو 67 وحصر عمليات المقاومة في هذه المناطق. لكن حماس سرعان ما تراجعت وطلبت مهلة جديدة للتفكير قبل اعطاء ردها النهائي على الوثيقة التي تدعو ايضا الى تشكيل قيادة جماعية برئاسة ياسر عرفات. وقال زياد ابو عمرو عضو المجلس التشريعي عن مدينة غزة واحد اعضاء لجنة الصياغة ابلغنا مندوب حماس بموافقة الحركة لكن في اليوم التالي ولدى الاستعداد لاعلان الاتفاق وصلتنا رسالة جديدة من حماس تقول انهم بحاجة لوقت اكثر للدراسة. ويعيد هذا الموقف الى الاذهان اعلانا مماثلا اواخر الشهر الماضي عشية اغتيال اسرائيل صلاح شحادة قائد الجناح العسكري في حماس. واكد ممثلون ومسؤولون ان اغتيال شحادة اجهض اتفاقا توصلت اليه السلطة الفلسطينية وشارك فيه مندوبون اوروبيون ويقضي باعلان وقف اطلاق نار بموافقة جميع الفصائل والحركات الوطنية والاسلامية بما فيها فتح وحماس. وهذه ليست المبادرة الاولى من نوعها منذ اندلاع الانتفاضة قبل نحو عامين، حين تجدد النشاط السياسي المشترك لجميع الفصائل والحركات الوطنية والاسلامية في اطار ما بات يعرف بلجنة القوى الوطنية والاسلامية التي تضم 13 مندوبا. بيد ان المتغيرات المتسارعة التي رافقت تطور حركة الانتفاضة والرد الاسرائيلي المتصاعد والمكثف ضدها اضافة الى خلافات مستمرة داخل حركتي فتح وحماس القوتين الاكبر على الساحة الفلسطينية، ظلت تقف حائلا دون التوصل الى نتائج ايجابية فعلية. وبرأي الكاتب السياسي هاني المصري فان من الصحيح ان الظرف الحالي يتطلب موقفا موحدا وثابتا من الجميع، لكن من الصعب المراهنة على تحقيق اختراق حقيقي في هذا الحوار المستمر منذ وقت طويل. وقال المصري واضح جدا ان اسرائيل تعمل على نسف اي مشروع تهدئة وكذلك فان حماس منقسمة على نفسها بين جناح رافض واخر مؤيد، اضافة الى التباين الواضح في وجهات نظر الفصائل المختلفة. ولم تقتصر المحاولات على الحوار الجاري بين الاطراف المعنية، بل ان ثمة ضغوطا مباشرة وغير مباششرة، دولية واقليمية تمارس على هذه الاطراف لاسيما حماس لاعلان البرنامج المشترك المنتظر. وتمثلت اخر المحاولات في الزيارة التي قام بها بطريرك القدس ميشيل صباح للشيخ احمد ياسين زعيم حماس الاسبوع الماضي. واكد مسؤولون ان دولة عربية ترمي بثقلها وتمارس ضغوطا لاقناع حركة حماس بقبول الصيغة التي تم التوصل اليها. وبعد ان ظنت لجنة الصياغة ان استخدام مصطلح الحق في مقاومة الاحتلال والاستراتيجية الراهنة في صيغة الوثيقة سيقرب حماس الى الوحدة اكثر، فان حماس كانت مشغولة بما هو اكثر من ذلك. وقال مسؤول فضل عدم الكشف عن هويته حماس تخشى ان تفقد جزءا كبيرا من شعبيتها ومصداقيتها وهذا هو حجة التيار الذي يقوده عبد العزيز الرنتيسي. واضاف هناك في المقابل تيار يؤيده الشيخ ياسين ومعه اسماعيل ابو شنب واسماعيل هنية ويفضل خوض غمار المغامرة واقتناص مكتسبات والتعامل مع الضغوطات المختلفة. وثمة عوامل اخرى ساهمت في عدم تقدم الحوار وتحقيق انجازات وتتعلق بحركة فتح الفصيل الرئيسي في منظمة التحرير الفلسطينية حيث تتباين وجهات النظر حول الطريقة الامثل لتحقيق الوحدة الوطنية. وربما ساهم انتقال الحوار من الضفة الغربية التي اعادت اسرائيل احتلال جميع مدنها الى غزة حيث قيادة حماس المركزية، في اعطاء بعض الدفع للحوار. الا ان سجل العلاقة الشائكة والمتوترة بين السلطة الفلسطينية وحركة حماس يبقي ايضا على خشية الاخيرة من عدم التزام السلطة واحتمال ملاحقة عناصرها وفق ما تطالب به الادارة الاميركية واسرائيل. وتشكل هذه النقطة موضع خلاف بين اسرائيل والجانب الفلسطيني في وضع ترتيبات امنية للخروج من الازمة الراهنة حيث تصر اسرائيل على قيام السلطة بضرب الحركة الاسلامية في حين تقول القيادة الفلسطينية انه بامكانها استخدام وسيلة الاقناع. ولخص مسؤول جملة التعقيدات هذه بقوله تبدو طريق الوحدة الوطنية الفلسطينية امام هذا التشابك والتداخل الكبيرين، طريقا وعرة وغير سالكة.