كلنا يعرف أن أمريكا كانت تتجسس قبل 11 سبتمبر وأصبحت تتجسس أكثر بعده. وبعد انتشار الجوال والاجهزة الذكية أصبح التجسس «أسهل»، وبعد اعتماد الناس على برمجيات التواصل الاجتماعي صار التقاط المعلومات الاجتماعية وفرزها وتحليلها واستخلاصها ممارسة رائجة. في السابق كان هناك من يتجسس أو يتتبع شخصاً أو مجموعة من الأشخاص لدواعٍ أمنية، حالياً الجميع يجمع البيانات التفصيلية ليس لدواعٍ أمنية فقط بل حتى لدواع تجارية - تسويقية أو لدراسات تتبعية اجتماعية؛ فستجد مثلاً أن مَنّ يريد معرفة أنماط شراء الأسرّ الحليب لأطفالها، لم يعد يلجأ إجمالاً إلى توزيع استمارات يدوياً على عينة وجمعها، بل يفعل ذلك الكترونياً، أما منهجيته فتعتمد على ما لديه من تقنية تمكنه من تتبع وتحليل المعلومات. لعلنا ندرك جميعاً، أنك بمجرد حملك تلفونك النقال واستخدامك برنامجا مثل فيسبوك أو توتير أو واتسأب فأنت مكشوف لمن يملك تقنية استخلاص المحتوى، إذ أنك عندما تقرر الاشتراك في خدمة مثل واتسأب فأنت تمنح المطور مسبقاً قائمة طويلة من التنازلات، فبوسعه الاطلاع ليس فقط على أماكن تواجدك، بل كذلك على المحتوى، وببذل جهد تحليلي إضافي فبوسعه التعرف على أمور كثيرة تخصك أنت وخاصتك، وعند تجميع المعلومات من مصادر عدة تجد أن يوميات الواحد منا متاحة لمن يهتم بها! هذا أمر غير مريح بالفعل، لكننا استسلمنا طلباً للراحة وتوفيراً للوقت. خذ مثلاً واتسأب ومجموعاته (جروباته)؛ حيث أصبح لكل أسرة صغيرة «جروب» وللأسرة الممتدة ولكل دورية وللأصحاب وللأحباب. تصور أن أحداً يرصد المحتوى في هذه الجروبات، سواء في بلدنا أو أي بلد أو مجموعة أو كل بلدان العالم. لعل أحدكم يقول: هذا طوفان من المعلومات لن يستطيع أي كمبيوتر استيعابه، لكن أساليب تحليل المعلومات تتطور لتواكب الاحتياجات، حالياً هناك تخصص يُدرس في الجامعات وخصوصاً الأمريكية يسمى «التحاليل» Analytics ، وهناك ما يسمى بألواح البيانات الضخمة أو ما يعرف ب Big Data. والمقصود بالبيانات الضخمة هو ما وصفت للتو، بيانات هائلة ومتباينة المصادر والأنماط والوتيرة الزمنية والاحداثيات المكانية تلصق جميعاً كما قطع الموزاييك لترسم صورة توضع أمام متخذ القرار. وما فائدة ذلك كله؟ معرفة أنشطة الناس وتدافعهم في هذه الحياة. الولاياتالمتحدة وعلماؤها كتبوا الكتاب نظريةً ومنهجيةً وأساليب وتطبيقات، وهي تتقدم خطوات كثيرة عما سواها من الدول، كما أنها لا تألو جهداً في الاستفادة من ذلك لتعزيز مكانتها اقتصادياً وتجارياً وبالقطع عسكرياً واستراتيجياً. القصة لم تبدأ ولا تنته بالتنصت على التلفون النقال لرئيس دولة كما حدث مع المستشارة الألمانية ميركل، فالتنصت يمتد لسنوات طويلة، وهنا يأتي تركيب «لوحة الموزاييك» عن كل شخص يهمهم أمره، تلك «اللوحة» قابلة للتكبير لمعرفة أدق التفاصيل وللتصغير لربطها بمحيطها أو بلوحات أخرى ذات صلة. @ihsanbuhulaiga :تويتر