«الذكورة» يحددها جنسك ، و»الرجولة» يصنعها فعلك ، وكما يقول الأصوليون : بينهما عموم وخصوص ، فكل رجل ذكر وليس كل ذكر رجلا ، فالذكر لا يختار جنسه بنفسه والله يوجدنا في هذه الدنيا مابين ذكر وأنثى بإرادته وحده ، والرجولة هي نتيجة لأخلاقك ومواقفك التي تنتهجها وتختارها ، ومن أجل ذلك نقول : «الذكورة» خَلْق و»الرجولة» خُلُق. تربيتنا العربية تعزز من ثقافة «الرجولة» وترفع من قيمتها ، والعربي بفطرته ينتشي عندما يقول له أحدهم : (أنت رجال) ، ولكنها للأسف ثقافة تشوهت بمقومات الرجولة الوهمية ، وأصبحنا نقترف الخسة تحت غطاء الرجولة المشوهة ، ومن ذلك امتهان المرأة وتحقيرها لإثبات علو كعب المرجلة عندنا ، والتعامل الراقي مع المرأة هو دليل إدانة على قلة المرجلة وضعفها ، ولم يدرك فقهاء التشويه أن تقدير المرأة من كمال الرجولة ، وكان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وهو أكمل الرجال لا يستحي من إعلان حبه لعائشة ، وكان يستشير زوجاته ويعمل في مهنة أهله. تابعت مع الكثيرين -بألم شديد- مقطع التحرش المنتشر في شبكات التواصل الاجتماعي والذي حدث في أحد أسواق مدينة الظهران ، وهؤلاء المتحرشون هم ضحايا لثقافة «الفحولة» والتي تختصر المرأة في وظائفها الجنسية ، والتحرش بهؤلاء الفتيات أمام الأقران هو عمل استعراضي بطولي يدل على استكمال صفات «الفحولة» التي يظن هذا المسكين أنها من مكملات «الرجولة» -والتي غابت للأسف الشديد عن ذلك المشهد- فأي شخص سيتدخل للدفاع عن هؤلاء الفتيات ويدفع هذا المتحرش سيتهم بأنه خروف ناقص لهرمونات الرجولة الحقيقية ، ولذلك اكتفى الباقون بالمتابعة والتصوير ، وهذا دليل على أن الذكور فقط هم من حضر في المشهد وغاب الرجال. التصرفات العنترية الهوجاء تمثل أحد المعايير الموهومة للرجولة ، فكم من يافع تورط بالتدخين ليثبت رجولته أمام الأقران ، وكم من جريمة قتل ارتكبت ، واعتداءات على الأبدان سجلت فقط ليظهروا أمام الحاضرين أنهم شجعان لا يقبلون الإهانة ، ورجال يعرفون أخذ حقهم بأيديهم ، ولم يصل وعيهم أن الرجل الحقيقي هو من يحكم عقله بشجاعة ، ويثبت شخصيته بقوة. «الرجولة» ليست شوارب مفتولة وألسنة مفلوتة ، بل هي روح مسؤولة تحمله على فعل الحسن وترك القبيح ، وأول خطوة لتعزيز هذه الرجولة في مجتمعنا تنقيتها من مفاهيمها المغلوطة ، فالعناد والتصلب باسم الرجولة هو تعدٍ عليها ، لأن الرجولة مرتبطة بالحق ، والرجوع للحق والاستجابة له قمة الرجولة . الرجل العظيم لا يفرط بمبادئه لأجل مصالحه ، ولا يضيع دينه من أجل دنياه قال تعالى : ( رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ).