يقولون للمنقبة «أكيد تحت النقاب حكاية»! ويرددون في أذن المحجبة «ملتزمة لكن قمر»! ويصيحون لغير المحجبة «أحب الجرأة»! لكن المساواة الحقيقية تتحقق بعد الانتهاء من مرحلة التحرش اللفظي والوصول الى مرحلة «التحرش الجسدي». الظاهرة ليست جديدة، لكن العالم يتغير، وكذلك البيئة المحيطة بالتحرش والمتحرشين والمتحرش بهن. ولأن الكائنات الأنثوية موجودة في وجه الأرض منذ بدء الخليقة، فالمؤكد أن ضلوعهن، كسبب، في التحرش أمر يناهض قانون الطبيعة، حتى وإن خرجت عضو برلمان تدعو إلى إلغاء عقوبة التحرش لأن المرأة المتحرش بها هي المخطئة، وحتى وإن هلل مشايخ التطرف بأن آفة التحرش سببها خروج الأنثى من بيتها، وحتى وإن صرخ الرجال بأن البنات هن السبب لأن ملابسهن تثير الرجال المساكين المسلوبي الإرادة! لكن تبقى الإرادة المسلوبة عمداً هي إرادة الدولة في مواجهة التحرش لأن القضية ببساطة لا تعنيها، ولم تكن يوماً ضمن اهتماماتها الحقيقية، وذلك لسبب بسيط وهو أن الكائن الأنثوي فشل في أن يحظى باهتمام واحترام حقيقيين. شيرين ثابت (22 عاماً) طالبة جامعية ترى أن التحرش الذي تفشى ليتحول ظاهرة همجية في الأشهر القليلة الماضية، سببه فشل الأنظمة المتتالية في الارتقاء بالفكر والتعليم والوعي والثقافة بالصورة الذهنية للفتاة والمرأة المصرية. حتى القوانين المنصفة للمرأة، ووصول بعض النساء الى مناصب وزيرات ومديرات، وتأسيس مجالس قومية وغيرها، كلها كانت مفروضة من أعلى من دون اقتناع من جانب فئات الشعب المختلفة. ولذلك وصلت المرأة المصرية مثلاً في ظل النظام السابق الى منصب وزيرة وسفيرة، لكنها ظلت في الشارع «حتة» و «مزة» و «بنت كذا» إن هي اعترضت على التحرش بها. وحدثت الثورة في مصر من أجل التغيير، وفي إطار هذا التغيير أصبح التحرش بالفتيات والسيدات، ليس دليلاً فجاً على عقد النقص التي تجتاح بعض الذكور، أو انعكاساً لتشييء المرأة من جانب مشايخ التطرف واعتبارها مجموعة من العورات المثيرة للشهوات، أو نقص التربية في البيوت، أو انعدام التعليم في المدارس، أو تقلص النخوة في الشوارع، ولكن إعلاناً صريحاً عن حقيقة وضع الأنثى. ويكفي أنه في كل مرة تنظم مجموعة من الشباب وقفة احتجاجية، أو مسيرة تنديدية، أو تظاهرة سلمية رافضة للتحرش تتعرض المشاركات للتحرش، سواء اللفظي أم الجسدي. مجموعة شبابية تطلق على نفسها إسم «اختشي» لمناهضة التحرش والتوعية بمساوئه نظمت وقفة قبل أيام رفعت فيها الشابات لافتات مكتوباً عليها «جسمي بان أو مابانش كرامتي ماتتهانش»، وهي العبارة التي جذبت الكثير من التعليقات المتراوحة بين السخرية والرفض. سيدة أربعينية رأت أن الفتاة التي تختار أن تكشف عن أجزاء من جسدها «يبقى حلال فيها الإهانة»، أما مجموعات الصبية فقد فضلت الخوض في الحديث عن أجساد الفتيات بسخرية واستهزاء. أما تعليقات القراء على أخبار مثل هذه الحملات والشعارات، فالقليل منها يؤيد الجهود، والكثير منها يتخذ منها موقفاً عدائياً. «لو ان هناك مراقبة في البيت على لباس البنات، لما واجهنا مشكلة تحرش، لأن الآنسة المحترمة تخرج من بيتها بملابس محترمة». «اختشوا أنتوا الأول واحترموا أنفسكم والبسوا حشمة وبلاش مسخرة» وعشرات التعليقات التي ترد على أخبار الوقفات وحملات التوعية من جانب شباب يؤمن بأن التحرش مسؤولية المتحرش بها. ولأن الحديث عن تطبيق القوانين الرادعة للمتحرش في وقت يعجز فيه ضابط الشرطة عن تطبيق قانون المرور على السيارات المخالفة يبدو أقرب إلى الخيال، فإن معظم الجهود الأهلية المبذولة حالياً لمواجهة التحرش تدور في نطاق الدق على أوتار النخوة والطيبة لدى المتحرش. ويبدو ذلك جلياً من لافتات وحملات تعكس أفكاراً مثل «هل ترضى ذلك لأمك؟» و «كما تدين تدان» و «مش رجولة» و «لما عاكست استفدت إيه؟»... وغيرها من عبارات استجداء النخوة والعطف. ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل إن البعض يشعر بقلق من تعرض نساء وفتيات لنوعية جديدة من التحرش اللفظي العكسي. عدد من الجمعيات والمنظمات الحقوقية أصدرت بياناً عبرت فيه عن قلقها مما تتعرض له نساء وفتيات غير محجبات في أعقاب وصول الدكتور محمد مرسي الى الرئاسة. يقول البيان إن نساء وفتيات غير محجبات يتعرضن لانتهاكات عدة منها العنف اللفظي، ومحاولات الاعتداء عليهن بسبب ملابسهن. ويردد أولئك عبارات مثل «جه الرئيس اللي هيلمكم»، كما يصفون غير المحجبات بأنهن «منحلات» و «قليلات الأدب». وترى هذه المنظمات أن وقائع التحرش المتكررة تعبر عن ثقافة ذكورية معادية للنساء، تنظر اليهن نظرة فوقية، وتعتبرهن إثماً، وسبباً لكل المفاسد. كما أشارت إلى أنه يتم توظيف الدين واستخدامه بشكل سيئ من أجل تبرير هذه الانتهاكات. وطالبت المنظمات بإجراءات سريعة من مؤسسات الدولة المعنية ورئيس الجمهورية تضمن كرامة النساء، وسلامة المجتمع وأمنه. صدر هذا البيان قبل نحو شهرين ونصف الشهر، وما زالت المرأة المصرية تنتظر إما إجراءات تتخذ من الدولة، أو آثاراً إيجابية لمحاولات التوعية واستجداء النخوة، أو معجزة من السماء في زمن عزّت فيه المعجزات. وبينما هن ينتظرن، يطالعن الأخبار ليقرأن عن ممثل لوزارة الرياضة المصرية كان ضمن وفد البعثة البارالمبية وألقي القبض عليه في لندن متهماً بالتحرش الجنسي بشابة بريطانية أمام الفندق الذي يقيم فيه.