ماذا عن الدور التنويري والتثقيفي الذي كان يمارسه المثقف سابقا؟ هل تقلص إلى الحد الذي وصل الى إلغائه وتهميشه ولم تعد الحاجة تدفع الى الاحساس بأهميته وقيمته مما عطل من دوره وفقد مصداقيته حتى في القضايا الصارخة التي تسود واقعنا العربي وتعصف به يمينا وشمالا بحيث صرنا لا نعرف إلى أين وصل الأمر بهذه الأمة التي ترتاب وتشمل في أبنائها وقدراتها ومثقفيها. هل المثقف نفسه ساهم في هذا الضعف والإنحطاط والإنكسار الذي يحيط بنا؟! أم هناك نوايا ماكرة تحاصر المثقف وتلغي دوره وتجعله في عزلة عن المشاركة في نهضة وارتقاء هذا الواقع الذي يئن من وطأة الرفاهية والابتذال ووسائل المتعة والاستهلاك، وكل ثقافة التسطيح التي خلفها كل هذه الأساليب والممارسات الرديئة التي تسيطر على عقل ووعي الإنسان العربي. وماذا دهاه هو الآخر؟! في الوقت الذي يدفع الكثير على هذه المظاهر البراقة نجده يشح بالقليل على وسائل التنوير والمعرفة والوعي والتثقيف بحيث بات يشهد غروب الثقافة ويترقب زوال شمسها. نحن على يقين بأن في الأمر مؤامرة كبرى تحاك ضد المثقف العربي والثقافة وتجعل منهما حدثا هامشيا لا يمتلكان التأثير والنفاذ والإنتشار.. ويصبح الاهتمام بالثقافة التافهة الهشة دون الحرص على الثقافة الأكثر جدة والأكثر فاعلية وقيمة حتى صرنا نفاجأ بالأسماء التي تلفظها مطبوعاتنا وإعلامنا وتثقل عقولنا بهذيانها وفكرها الخاوي وعندما نفتش عن المعرفة والابداع فيما تنتج لا نجد إلا الخواء والعدم.. وثقافة لا تتجاوز قامة الإصبع وأية ثقافة يتمتع بها هؤلاء!! وفي الأخير صرنا نتفق مع (علي حرب) في بحثه الصريح عن نقد النفس المفكرة ونتساءل بكل حرقة: أين المثقف ومكانته الاجتماعية التي تؤهله أن يمارس دوره بكل ثقة وجدارة وينتج ثقافة حية مؤثرة ومبدعة؟! وهكذا لن يأفل ضوء الثقافة طالما يوجد لدينا مثقف يعي واجبه الملقى على عاتقه ونصرخ عاليا: من الرائع أن تكون مثقفا!!