ينظر العديد من المراقبين الاسرائيليين الى خطاب الرئيس الامريكي بوش باعتباره خطابا يخلق حالة فراغ سياسي في الصراع الفلسطيني الاسرائيلي حيث انه ركز على واجبات الاصلاح التي يجب على السلطة الفلسطينية القيام بها كشرط لاستئناف عملية التسوية السياسية.ويرى هؤلاء المراقبون ان عدم تحديد جدول زمني للتقدم في المفاوضات يعطي فرصة لانفجار اعمال العنف العسكري على الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي ويفتح احتمالات القيام باجراءات أشد قمعا من الطرف الاسرائيلي تفتح الباب بدورها لردود فلسطينية اكثر عنفا. ويبدو ان رؤية هؤلاء المعلقين قد صدقت فلقد نشرت صحيفة "معاريف" تقريرا يفيد بأن زعيم حزب المفدال وهو الحزب الديني القومي الجنرال أبي ايتام قد صرح بأن قراءته لخطاب بوش وخاصة المقاطع التي تحدث فيها الرئيس الامريكي عن ضرورة تغيير القيادة الفلسطينية تعني بالنسبة له ضرورة اصدار الاوامر بقتل عرفات هو وكل من معه من رجال السلطة الفلسطينية. وقال الجنرال بالحرف الواحد في تقرير نشرته معاريف دون اي مواربة ونحن ننقل ما قاله عن النص العبري المنشور بالصحيفة بتاريخ 5/7/2002م (لو عطيت أمرا الآن بقتل عرفات فانه سيكون ميتا بعد ربع ساعة فقط هو وكل العصابة المحيطة به.. انهم يحققون الآن مع مروان البرغوثي وهو امر يثير الدهشة عندي فما معنى ان تحققوا معه؟ خذوه الى اي حقل مهجور وافرغوا رصاصة في رأسه). وقد علقت محررة "معاريف" على هذا التصريح من زعيم الحزب الديني وأحد وزراء شارون بقولها: ان إيتام قد تجاوز الخط الأحمر بهذا الكلام. ورغم ان بعض المعلقين قد اتهموا الجنرال ايتام بان رأسه مشوش وأنه يخلط بين المسموح والمحظور حتى ولو كان الحديث متصلا بالحرب ضد الارهاب ، ورغم أنهم اتهموه بالتشويش الفكري منذ كان ضابطا في الجيش، وراحوا يذكرونه بوقائع قديمة نسبت اليه خلال الانتفاضة الفلسطينية الاولى في الثمانينات عندما كان يغمض عينيه عن قيام الجنود التابعين له بإيقاع اصابات بليغة ضد المتظاهرين الفلسطينيين على عكس الاوامر الصادرة من القيادة بل وانه قام بنفسه بايقاع مثل هذه الاصابات مما ادى الى تأخير ترقيته الى رتبة عميد نتيجة عدم الالتزام بالاوامر العليا ونتيجة حالة التشوش الفكري التي يخلط بسببها بين المسموح به وبين المحظور، فلقد قام الجنرال رغم كل هذا النقد الموجه اليه باجراء حديث مع الاذاعة الاسرائيلية كرر فيه مفاهيمه الفوضوية الارهابية بل واتهم فيه الحكومة التي ينتمي اليها بالغباء لعدم قيامها بانتهاز فرصة خطاب بوش للاجهاز على عرفات. فقد قال الجنرال ايتام في حديثه الاذاعي: ان امتناع الحكومة الاسرائيلية عن القضاء على عرفات يمثل خطوة غبية وعدم قدرة على الفهم مضيفا ان خطاب بوش الذي دعا الشعب الفلسطيني بصراحة الى التخلص من عرفات كشرط لاقامة الدولة الفلسطينية المستقلة يمثل ضوءا أخضر لاسرائيل لكي تتخلص منه. وعندما سئل الجنرال: لماذا لا يحاول ان ينفي الاقوال التي سبق وان نسبتها اليه صحيفة "معاريف" بدلا من ان يؤكدها ويضع اسرائيل في حرج امام الرأي العام العالمي ويصورها كدولة يتحدث احد وزرائها بروح عصابات المافيا الاجرامية اجاب الجنرال ايتام (لقد أخطأنا حتى الآن لاننا رحنا نداهن الرأي العام العالمي ونتملقه على حساب مصالح اسرائيل، فلقد حاصرنا عرفات في مقره برام الله ومع ذلك لم نقتله وتركناه حيا يتمتع بمشاعر التعاطف والتأييد من الجماهير الفلسطينية، وكذلك قمنا باعتقال مروان البرغوثي واوقعنا انفسنا في حالة حرج، وكان الاحرى بنا ان نقتله فور القبض عليه لكي نتخلص منه ومع ذلك فقد حدث ما حدث غير ان ما لا يمكنني فهمه هو لماذا لا نتصرف تصرفا سليما بعد خطاب بوش ولماذا ننتظر). ان النقد الذي تلقاه رئيس الحزب الديني القومي على استخدامه لغة عصابا المافيا وهو يحتل مقعدا وزاريا لم يمنع العديد من زعماء حركة الاستيطان اليهودي في الضفة الغربية من التعبير عن تأييدهم لتصريحات الجنرال واعتبارهم إياها نوعا من الصراحة والشجاعة الأدبية، واذا كان هذا التوجه الاجرامي مفهوما لصدوره من زعيم حزب يرعى عمليات نهب الاراضي الفلسطينية وسبق له ان دعا الى ضرورة ترحيل شعب الضفة الغربية إما الى الاردن او الى غزة لتبقى الارض حكرا على المستوطنين في اطار نظرية ارض اسرائيل الكاملة الممتدة من البحر الابيض الى نهر الاردن، فان ما يبدو غريبا هو ان رئيس الوزراء الاسرائيلي السابق وزعيم حزب العمل ايهود باراك والذي سبق له ادارة مفاوضات مع الرئيس عرفات في قمة كامب ديفيد مع الرئيس كلينتون قد ألمح بدوره الى ضرورة التخلص من الزعيم الفلسطيني بعد خطاب بوش وان كان بارك قد راعى في تصريحه عدم التسبب في إحراج الدولة الإسرائيلية على نحو ما فعل الجنرال ايتام. ان هذا النوع من التفسير الاسرائيلي لخطاب بوش يؤكد اهمية ما طالبنا به الزعماء العرب في مقال الاسبوع الماضي من ضرورة التحرك الجماعي وبقبضة عربية واحدة لاعادة شحذ نصال المبادرة العربية للسلام المتفق عليها في قمة بيروت ودفعها الى الساحة الامريكية والاوروبية بقوة بهدف ملء الفراغ السياسي الذي خلقه خطاب الرئيس بوش، فالخطاب رغم حديثه عن مبادئ ايجابية مثل اقامة الدولة الفلسطينية ووقف الاستيطان اليهودي قد ترك بالفعل الساحة في حالة فراغ سياسي نتيجة لغياب الجدول الزمني المحدد لتنفيذ خطوات التسوية، وهو أمر أجمع عليه المحللون الاسرائيليون والمحللون البريطانيون والعديد من كبار الكتاب في الصحافة الامريكية والذين سبق ان استضافهم سمو ولي العهد الامير عبدالله منذ شهر تقريبا وشرح لهم الموقف العربي والمطالب العربية لبناء سلام عادل، ان تحذير كل هؤلاء المحللين من مخاطر حالة الفراغ السياسي الراهنة امر يستحق الاهتمام العربي فهذا الفراغ هو الذي يعطي الفرصة والشجاعة لمثل هذه الافكار الفوضوية الاجرامية التي يعبر عنها الجنرال ايتام والتي قد تفتح الباب لافكار اشد خطورة واجراما في حق الشعب الفلسطيني.