في الصحافة أحيانا كما في السياسة يصبح وكأن كل شيء جائز وممكن إذا أردت أن تحقق غاية معينة، بمعنى آخر، لا تتوان بعض الصحف وبعض الصحفيين عن انتهاج مبدأ (الغاية تبرر الوسيلة)، للوصول إلى هدف معين في نفوسهم، لكن السؤال الاهم هنا لابد ان يدور حول مشروعية الهدف ومصداقية الصحفي وعدالة القضية وليس أي شيء آخر، خاصة عندما تتناول الصحافة والاعلام بشكل عام اموراً تمس امن الدولة وانجازات المجتمع، وصميم مطالب واحتياجات الافراد. احيانا تتم التضحية بأشخاص وتعريضهم لضغوطات لا يمكن تصور مدى فداحتها لاجل انجاح حملات صحفية معينة، لقد ذكر لي أحد الاعلاميين العرب انه كان يعد ويقدم برنامجاً تلفزيونيا في بلده قبل أن يأتي إلى هنا، وبأن ذلك البرنامج كان يسلط الضوء على ممارسات وظواهر سيئة بل وقاتلة أحيانا ضد فئات معينة من النساء في المجتمع واحيانا الرجال ايضا، وبأن هذا البرنامج يضطر احيانا لتعريض اشخاص للتشهير بحجة كشف ما يتعرضون له من اجل انقاذهم، وهنا يقف الرقيب موقف الضابط الذي يزن القضية ويضبط مساراتها ليحقق مصلحة الفرد دون ان يضر بسمعة المجتمع أو يوجد حالة من البلبلة والفوضى التي لن تقود إلى نتيجة تذكر بقدر ما ستقود الى اضرار يدفع بعض الافراد ثمنها. وقد بقيت هذه الحكاية ماثلة في داخلي حتى هذه اللحظة. لقد طرحنا الكثير من القضايا في صحافتنا بطريقة تحري الدقة والبحث عن الحقيقة، اكبر الاثر في احداث تغييرات واصلاحات مهمة اضافتها الصحافة لرصيدها، واضافتها الدولة. وستظل الصحافة مرآة المجتمع تقول حقيقته، وتكشف سيئاته بهدف تنقية الاجواء ومحاربة الفساد وردم الهوة وتحقيق مبدأ الشفافية، وحرية التعبير والكلمة، وصولاً الى حالة التنمية الحقيقية التي هي مرادفة للحرية والخلاص من الفساد والتجاوزات. لكن هذا النوع من الطرح الموضوعي والراقي لقضايانا يجب أن يتم كما قلنا سابقا بمنتهى الوعي والحرص والمسئولية حتى لا تختلط الامور فنصبح دون ان ندري كحاطب بليل مظلم، يريد شيئا لكنه يقبض بين يديه او يحتطب ما لا حاجة له به، وعليه فالتثبت مطلوب لاهل الرأي والصحافة والاعلام، وموجهي المجتمعات نحو حقوقهم، اكثر مما هو مطلوب لأية جهة اخرى، لما لهؤلاء من خطورة واهمية باعتبار ان الكلمة سلاح لا يستهان به، او كما عبر احد كبار الكتاب المصريين بأن من يمسك قلما ويكتب رأيا بحرية كمن يمسك مدفعاً رشاشاً. لا نريد ان تتحول الاقلام الى مدافع رشاشة ضد انجازات وطنية ولا ضد مصالح وطنية قلما نجد امثالها في دول اخرى، لكننا نريدها مدافع ضد الخطأ والمخطئين والفساد والمفسدين اينما كانوا، ولا نبريء مشروعاً أو عملا أو انسانا من الخطأ باعتبار ان الخطأ حالة انسانية ازلية، وستبقى طالما وجد الانسان، ووجد العمل، ووجدت النوازع والضعف الانساني، وهنا يتدخل دعاة الحق من اهل الصحافة والاعلام من اجل كشف الحقائق وتصحيح الخطأ، بهدف افادة المجتمع وتحقيق العدالة ليس الا، وما على المسئولين والمتنفذين سوى ان يفتحوا للصحافة ابوابهم وقلوبهم لتقوم بدورها دون مصادرة لحق التعبير وحرية الكلمة مبتعدين عما يسمى بذهنية التحريم التي تقف حائلا دون التوغل باتجاه النور والحقيقة وكشف الزيف والزائفين. لقد عشنا حكايات وسجالات مع مسئولين ووزراء وقضايا، كان لهم كما كان لنا رأي ومنهج في الطرح والتناول، لكنني بحق اعجبتني كلمة قالها احد كبار المسئولين من ان (احترام حرية الكلمة واجب وطني ونحن لسنا ضدها لكننا ضد الاكاذيب والدعايات المدمرة التي تهدم منجزات وطنية دون ان تصلح امراً أو تفيد أحدا، ان المجتمعات تبنى على الحقيقة والتعاون، ولم نسمع عن مجتمعات بنيت على الكذب والدعايات المغرضة ابداً). البيان الاماراتية