فور قراءتي لخبر تشكيل اللجنة العليا للبحث والتطوير والابتكار أيقنت أن ذلك الخبر سيكون موضوع مقالي القادم، فهو أحد المواضيع المفضلة لي للقراءة والكتابة فيها؛ إدراكاً مني بأهمية ذلك الجانب على مستوى المنظمات بمختلف أحجامها، وإيماناً بأهمية الدور الذي تلعبه تلك اللجان في تسريع وتيرة النماء والتطور في الجهات التي تنتمي إليها، لكننا لا نتحدث اليوم عن لجنة عادية، بل عن لجنة عليا ترتبط بمجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، ويرأسها رئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية؛ ما يعني أنها تهدف لتنمية جميع القطاعات وليس قطاعاً واحداً فحسب. ولست في حاجة هنا لقراءة بعض المراجع والكتب التي تتحدث عن دور الأبحاث، والأفكار التطويرية، والابتكارات في تقدم الدول وازدهارها، لأن ذلك يفترض أن يكون من الأمور البديهية لدينا. بل يفترض على كل أحد منّا أن يكون مؤمناً بأهميتها، وقيمة النتائج التي تتوصل إليها تلك اللجان، مثلما نؤمن بخطورة التوقف والاستسلام للأوضاع الراهنة التي يفضل الكثير من الناس العمل في إطارها، بينما يؤمن القليل منهم بعكس ذلك، وهم من تعوّل عليهم الدول كثيراً ويراهن المسؤولين عليهم لأداء تلك المهام. وأنا على ثقة تامة بأن لدينا العديد من الجهات البحثية والتطويرية قبل صدور القرار، لكنها ربما قد تكون مشتتة الجهود بطيئة العمل، ومن هنا تأتي أهمية المرجعية وضرورة توحيد الجهود؛ حتى تكون النتائج أدق والإنجازات أسرع وأكثر فائدة، وهناك آمر آخر لا يقل أهميةً عن هذا الأمر، وهو رغبة الباحثين من غير المنتسبين لجهات محددة في إجراء البحوث وتقديم الأفكار والابتكارات، فبوجود هذه اللجنة ستكون الفرصة متاحةً أمام الجميع لتقديم كل ما يستطيعون لخدمة بلادهم، ولن تكون الأعباء المالية أو الوظيفية حاجزاً يمنعهم من تقديم ما لديهم.
وقد ذكر أحد المفكرين أن مقياس تقدّم أي دولة يقاس بعدد المبادرات الفردية من المواطنين، بل وأزيد على ذلك بعدد البحوث والأفكار والابتكارات التي تسهم في دفع عجلة التنمية والتطوير في بلدانهم، فتلك العناصر الهامة في زعمي أنها لا تقدر بثمن. بل ربما لا أبالغ إن قلت أنها هي البنوك الكبيرة التي نستطيع من خلالها أن نحصل على الأموال، بل إنني أتراجع عن وصفي هذا لأنه بلا شك دون المعنى، فالبنوك ستجد فيها الأموال ولن تجد الأفكار والبحوث، في حين أن الأفكار والبحوث هي التي تجلب الأموال، لذلك فمكانتها أعلى من أن أصفها بمكانة البنك وأهميته فهي أهم منه وأكبر بلا شك. كل ما ذكرته آنفاً لا يمكن أن يتحقق لولا وجود الرجال المؤمنين بأهميته، الرجال الذين يراهنون على قيمة الكفاءات وقدرة العقول، وهنا نتحدث عن رجل لا يخفى على الجميع، فهو الداعم الحقيقي لكل ما من شأنه التنمية والتطوير في بلادي، إنه الأمير محمد بن سلمان، صاحب الرؤية الثاقبة والثقة العالية في بلاده وشعبها الذي يراه عظيماً ويرونه كذلك.