في ذكرى ( 11 سبتمر ) ولضخامة الحدث وأهميته عاشت وسائل الإعلام العالمية والعربية – قبل اسبوع من الذكرى العاشرة ولاتزال – استنفارا يُذكرنا باللحظات الأولى لحدوثه قبل عشرة أعوام ، وذلك من خلال عقد المناضرات والحوارات والندوات ، ومن خلال التحقيقات الصحفية والمقالات .. وللعودة إلى الوراء حينما اهتز العالم لاغتيال ( ابن لادن ) بعد أطول مطاردة في التاريخ الحديث ، وذلك الخطاب المنتشي بالفرح وقتها ، والذي قال فيه الرئيس الأميركي ( أوباما ) حرفيا : “.. قتل أسامه بن لادن أهم انجاز ..” الكيفية أغلب خيوطها حتى الآن مجهولة .. وإن كان هنالك بعض التسريبات التي يكتنفها التناقض والارتباك من قبل الأمريكان !! فلم يستطيعوا حتى الآن صياغة ( سيناريوهات ) ولو مكذوبة تبتلعها العقول وتستهلكها ولو مؤقتا !! كما فعلوا حينما تم القبض على الرئيس العراقي ( صدام حسين ) . * والحقيقة التي لايختلف عليها اثنان أن الرغبة الأميركية هي القبض عليه.. والمستغرب كيف بها تقتله في بقعة من السهولة محاصرتها والقبض عليه حيا !!؟ وحسب بعض التصريحات الأميركية بأنه كان أعزل !! وهذا التوصيف يدين أميركا ويظهر مدى بلطجيتها وخرقها للأعراف والقوانين الدولية باعتباره أسير حرب .. ثم كيف بهم يقتلونه وهم أحرص الناس على حياته !!؟ هل يكون السر في قتله هو الخوف من محاكمته علنا !!؟ لأن تلك المحاكمة لو تمت ستزيح الستار عن كنز من المعلومات الحقيقية أمام أنظار العالم .. وستحترق تلك الأوراق و( السيناريوهات ) التي يلعب بها الغرب عامة وأميركا على وجه الخصوص لتضليل العالم .. ولا أدل على ذلك من إعلان أميركا بأنه تم القبض على حاسبات وأقراص مدمجة .. لتبدأ بالتضليل من خلال تسريبات يومية أو متباعدة لمعلومات مستقاة من تلك المقتنيات الخاصة ب( ابن لادن )على أنها حقيقية !! والعالم جاهز ومهيأ لبلع الطعم !! .. وبلا شك بأن من أسباب انهيار الأمم والحضارات شيوع الطغيان والظلم !! * دعونا الآن نستخلص مارُدّد من قِبل الكُتاب ومنظري الفضائيات خلال الذكرى العاشرة ل(11 سبتمبر) هذه الأيام .. ذلك الحدث الذي يحتوي على كثير من الخبايا إلى درجة أن هنالك من شكك بالرواية الرسمية الأميركية وقتها ويعتبرها مسرحية دموية أُخرجت لأهداف سياسية داخلية وخارجية ، ومن أولئك الكاتب الغربي ( تيري ميسان ) صاحب كتاب ( الخديعة المرعبة ) والذي أحدث بصدوره ضجة عالمية . وبما أننا ( العرب ) لازلنا منغمسون في التنظير كأعلى ظاهرة صوتية “.. العرب ظاهرة صوتية ..” دون الفعل (العمل والتصنيع والإبتكار والإبداع إلا ماندر!!) .. لنعرّج على بعض مارصدناه خلال الفترة القريبة الماضية لتلك الظاهرة من آراء أولئك الكُتاب ومنظري الفضائيات دون أن يكون هذا الرصد مقصورا على وسيلة بعينها : * هنالك من يرى من أولئك الكُتاب والمنظرين :- ” .. بأن الثورات العربية السلمية البيضاء قد أسقطت القاعدة وسحبت البساط من تحت أقدامها منذ أن بدأت ( تونس .. مصر .. ليبيا ) ولا زالت متعثرة ( اليمن .. سوريا ) .. فنهجها يختلف عن نهج القاعدة العنيف، وبالتالي هذا النهج أقل في التكلفة البشرية والمادية .. كما أن القاعدة لم تستطع أن يكون لها ذلك التأثير الملحوظ نحو الأنظمة العربية ناهيك عن تغييرها !! ..” * وهنالك رأي آخر مختلف لبعض أولئك :- ” .. بأن هذا غير منطقي !! أليست القاعدة هي من قاومت الاستبداد !!؟ أليست هي من أسقطت أسطورة أميركا من خلال استدراجها وإغراقها – أفغانستان .. العراق – واستنزاف مقدراتها الاقتصادية والبشرية .. وكان ذلك فخا كلف أميركا الكثير!!؟ ففي هذه الذكرى وحسب خبراء الإقتصاد فإن العجز المالي لدى أمريكا تضاعف مرتين ويزيد .. قياسا بما كان عليه قبل الحدث ، مما جعل قبضتها حول عنق العالم العربي – من خلال دعم تلك الأنظمة الفاسدة – تتراخى لانشغالها بأولوية ملاحقة القاعدة من خلال ترسيخ مفهوم وعقيدة الضربات الاستباقية ، وبالتالي مهدت الطريق كتوطئة لتلك الثورات العربية دون خوف من تلك الأنظمة التي استماتت في خدمة المشروع الغربي وهمّشت الحريات والعدالة الاجتماعية مما أضعف جبهتها الداخلية .. بالإضافة للوهن الذي أصابها جراء الوهن الذي أصاب حُماتها .. يضاف إلى ذلك استخدام مواقع التواصل الاجتماعي .. كل تلك العوامل وغيرها سهلة المهمة لتلك الثورات وكسرت حاجز الخوف لدى شعوبها.. والعاقل يدرك بأنه لايمكن لأي حدث أن ينطلق من فراغ وبلا إرهاصات أو مقدمات فلماذا هذا التجاهل!!؟.. ” * ويقول أصحاب الرأي الأول :- ” .. بأن هؤلاء الثوار لم ينطلقوا من أفكار القاعدة العنيف ولا أفكار غيرها .. هذه الثورات بلا( أيديولجيا )* ليس من اهتماماتها أفكار محدودة تصب في مصالح ( أحزاب .. فئات .. تنظيمات ) إنها ثورات أفعال ( أعمال ) تصب في إناء المصلحة العليا للدولة .. كما أن كل ثورة لها خصوصيتها وانطلقت من أسبابها المحلية بطريقة سلمية ، والحقيقة قد سهل مهمتها استخدامها لأدوات التواصل الاجتماعي ، ونجحت رغم أنف دول الغطرسة والتي لم تتوقع هذا الحراك وبهذا الزخم ، وبسبب هذه الصفعة تلك الدول تروج لمفهوم الفوضى الخلاقة لسلب الثوار مبادراتهم وإرادة الحياة !! ولازالت تستميت في خطف هذه الثورات والانحراف بها عن مسارها الطبيعي ( تونس .. مصر .. ليبيا ) ووضع العثرات ( اليمن .. سوريا ) لتعطي نفسها الفرصة للتمكن من تحقيق أجندتها الخاصة والتي لايمكن أن تصب في مصالح الشعوب العربية والإسلامية .. ” . * ويقول أصحاب الرأي الآخر :- ” .. أن القاعدة وكردة فعل أولية هي الأبرز في الوقوف في وجه الطغيان ، وقد عرّت تلك الوحشية والتسلط من قبل الشرق والغرب .. ولوعدنا بالذاكرة إلى الوراء لوجدناها انبثقت من رحم الإفلاس والتقاعس للنظام السياسي العربي والإسلامي نحو قضايا الأمة المصيرية ، وكبت الحريات والبعد عن العدالة الاجتماعية !! ومن رحم الدعم المطلق – من قبل الدول الغربية وعلى رأسها أميركا – للدولة الصهيونية الجاثمة على صدر الأمة العربية والإسلامية في فلسطين .. ناهيك عن التسلط واستنزاف المقدرات الإسلامية .. ( أفغانستان ) ابتداء ومن ثم ( الصومال ، والعراق ) .. وما فتيء مسئولي الغرب عامة وأميركا على وجه الخصوص يرددون في وسائل إعلامهم “.. لماذا يكرهوننا ..” !!؟ ويتجاهلون تلك المواقف والتصرفات المناهضة لآمال وطموحات الشعوب العربية والإسلامية ولا أدل على ذلك من ذلك الموقف الذي تردده وسائل الإعلام هذه الأيام بناء على تصريحات أميركية مسئولة ، وهو استخدام حق النقض ( الفيتو ) ضد طلب ستقدمه الدولة الفلسطينية لعضوية الأممالمتحدة والاعتراف بها كدولة مستقلة ، وآخرها تصريحات وزيرة الخارجية الأميركية ” .. بأن حل الدولتين يمر بالقدس ورام الله وليس الأممالمتحدة في نيويورك..”ثم يتساءلون مرة أُخرى:”.. لماذا يكرهوننا.. ” * ويقول أصحاب الرأي الأول :- ” .. في هذه الذكرى هنالك تصريحات لبعض مسئولي الغرب عموما بأن القاعدة أصبحت ضعيفة ، وبأن أميركا بالأخص أصبحت أكثر أمنا بعد تشتيت القاعدة ومقتل أبرز قيادي القاعدة وعلى رأسهم ( ابن لادن ) وبعد تجفيف مصادر دخلها .. إذاً مرحلة ( ابن لادن ) والقاعدة قد ولت .. والكل يدرك جرائمها..وشيء جميل أن يعيش العالم بسلام، وبلا القاعدة و( ابن لادن ).. ” * ويقول أصحاب الرأي الآخر:- ” .. القاعدة قبل أحداث ( 11 سبتمبر ) كانت محصورة في ( أفغانستان ، باكستان ) والآن أصبح هنالك أكثر من قاعدة على مستوى العالم فهنالك القاعدة في ( العراق ، اليمن ، شمال أفريقيا ، الصومال ... ) .. وإن المرء ليعجب إذا كان الأمر كذلك .. بأن القاعدة ضعيفة إلى هذا الحد .. لماذا يتردد في وسائل الإعلام الغربية أن ثمة تهديدات من القاعدة !!؟ .. ولماذا هذا الاستنفار الهائل في أميركا وغيرها هذه الأيام تحسبا لأي هجوم جديد !!؟ وبالمناسبة قال مدير وكالة (cia ) الأميركية ( ديفيد بترايوس ) في حديثه للكونغرس بالأمس ” .. أن فرع تنظيم القاعدة في اليمن من أخطر الكيانات الجهادية في العالم .. ” فنتسائل ببراءة هل هذا التصريح هو لتسويق فكرة ما !!؟ أم هي الحقيقة !!؟ .. ” * كان هنالك بعض الملاسنات والشتائم والإتهامات والتي لاتليق أثناء تلك المناضرات نحو بعضهم البعض .. أو نحو شخص ( ابن لادن ) وهو الذي قدم إلى ماقدّم !! فتلك الألفاظ ليست وجهات نظر حتى لو اختلفنا مع منهجه .. فللميت حرمة في شريعتنا !! تمعنوا بذلك الخلق السامي والراقي للمصطفى – صلى الله عليه وسلم – فلقد نهى عن سب قتلى بدر من المشركين حيث قال : ” .. لاتسبوا هؤلاء ، فإنه لايخلص إليهم شيء مما تقولون ، وتؤذون الأحياء.. ألا إن البذاء لؤم .. ” .. أليس ل(ابن لادن) لحمة وأقرباء أحياء يعيشون بيننا تجرح مشاعرهم مثل تلك الألفاظ !!؟ . * إذاً المحصلة غالبا.. نعم نحن ظاهرة صوتية ، ولكن هنالك تساؤلات : هل كل ذلك من عند أنفسنا !!؟ أم أن هنالك من يُكرّس ويروج لبقاء تلك الظاهرة في عقولنا ، وهل يُراد لنا بأن نكون كذلك إلى مالا نهاية بعيدا عن الفعل ( التصنيع .. الإبتكار .. الإبداع ) !!؟ وهل هذه الثورات خروجا على ذلك النص وتلك الظاهرة التي عهدناه وألفتها شعوبنا ، وهل هي بداية النهاية لهذا النهج !!؟ مجرد تساؤلات !! .. وأخيرا سيظل اسم ( ابن لادن ) حاضرا وتحت المجهر في المحاورات وفي المناظرات وفي الجدال وفي الكتابات رغم غيابه .. وسيكون حاضرا أيضا كلما أرادت أميركا أن تزج باسمه فوق مسرح الأحداث لخدمة مصالحها !! يقول (عباس العقاد) : “.. ضخامة الخطأ مع سهولة العلم بالصواب .. خليقة بأن تفتح باب الاتهام في سلامة المقصد .. قبل الاتهام في سلامة التفكير .. “ * (الأيديولوجيا) : هي عقلنة الأفكار.. أوهي مجموعة الأفكار التي تحدد اتجاها فكريا معينا ، وتفرضها الطبقة المهيمنة في المجتمع على باقي أفراد المجتمع .. أوهي منظومة التصورات والاعتقادات والنظريات التي تبنى عليها حياة الأفراد والمجتمعات السياسية والاقتصادية والاجتماعية . عبدالعزيز النعام