في أمريكا دخل طالب يدعى (سفير) على موقع الحكومة الأمريكية، واكتشف أمراً يدعو للتأمل، لقد اكتشف ذلك الطالب هدراً مالياً كبيراً في مجال الطباعة الخاصة بالحكومة، وبعد أن قام باستعراض التفاصيل الخاصة بهذه المشكلة، اكتشف حلاً قد يوفر على الحكومة الأمريكية مبلغاً يعادل 400 مليون دولار أمريكي، للوهلة الأولى ستظنون أن الطالب سيقترح تعديلاً كبيراً في أجهزة الطباعة أو تقليص عدد الموظفين أو غيرها من الحلول التقليدية، لكن سفير لم يكن يفكر بتلك الطريقة العادية. لقد كان اقتراحه الذي سيوفر على الحكومة الأمريكية مبلغ ال400 مليون دولار هو تغيير نوع الخط المستخدم في الكتابة فقط، فقد لاحظ سفير أن نوع الخط المستخدم في طباعة المراسلات الحكومية من المقاس الكبير، فبحث عن خط أصغر يؤدي نفس الغرض ويوفر من ميزانية الدولة المهدرة في هذا الجانب، وكان له ذلك. حيث قام باختيار خط أصغر ثم أجرى عليه البحوث والدراسات ليتوصل إلى النتيجة المطلوبة، وبعدها قدم اقتراحه للحكومة الأمريكية التي قامت بدورها بمناقشته واستعراض مدى امكانية الاستفادة من مقترحه، ثم قامت باعتماده بعد الموافقة عليه واستفادت المبلغ الذي كان سيهدر لولا ذكاء ذلك الطالب وبراعته. إن ما قام به سفير يستطيع أن يقوم به أي واحد منّا، لكنه استفاد من خاصية (البيانات المفتوحة) التي تطبق في بعض الدول ومنها أمريكا، والبيانات المفتوحة هي عبارة عن بيانات ومعلومات تتعلق بأجهزة الدولة، وهي متاحة للجميع، أي أنها غير سرية. حيث يستطيع أي مواطن الدخول على مواقع تلك الأجهزة، والتعرف على تفاصيلها والمشاركة في طرح الحلول والأفكار الجديدة للمشاكل والمعوقات التي ربما قد تكون غائبة عن أذهان المسؤولين، ويطلق لقب (نفط المستقبل) على خاصية البيانات المفتوحة؛ لما لها من أهمية كبيرة في تطور الدول والمنظمات عندما يتم الاستفادة منها بالشكل الصحيح. وهناك أمثلة كثيرة تدلل على استفادة المنظمات الحكومية والخاصة في بعض دول العالم من الابتكارات والحلول التي يقدمها الأشخاص العاديون، سواءً كانوا منتمين لتلك المنظمات أو مهتمين بها فقط، وبالتالي فإن إتاحة البيانات والمعلومات لعامة الناس هو أمرٌ مفيد، حيث يمكن لمراكز الدراسات والمبتكرين الدخول على تلك المعلومات والاستفادة منها في وضع الحلول والأفكار الجديدة التي تعود بالفائدة على تلك المنظمات. أعتقد أنكم الآن تفكرون في بعض الجهات الحكومية والخاصة التي تتحفظ كثيراً على بياناتها بحجة السرية، ولو أن تلك الجهات أتاحت بياناتها للناس لربما كان من بين من يطلع عليها؛ من يملك الحلول المبتكرة التي تفيدها وتسهم في تحسين أعمالها وجودة خدماتها.