تمثل البيانات أهمية قصوى جداً للأفراد والمؤسسات والدول، بل إن قرارات الحياة تقوم على توفر البيانات والاستفادة منها، وأن تقدم الدول والمؤسسات وتطورها يرتكز بشكل رئيس على البيانات؛ حتى أصبح يطلق على البيانات مصطلح النفط الجديد. فمنذ نشأت الإنسان، وهو يبحث عن المعلومة والمعرفة، ليتكيف مع الحياة ويلبي احتياجاته المختلفة منها، فالمعرفة هي أساس نشاط الإنسان واستمرار حياته، وصار الفارق الكبير بين المجتمعات المتقدمة وغيرها هو امتلاكها للمعرفة والعلم. وبحث الإنسان عن البيانات والمعلومات ساهم في تحويل وتوظيف المعرفة إلى تطبيقات عملية في المجلات المختلفة كالعلوم والطب والهندسة والسياسة والاقتصاد والاجتماع والتربية وغيرها من العلوم. وظهور اقتصاد المعرفة كان نتيجة طبيعية لأهمية المعرفة تطبيقياً في حياة الأفراد والمؤسسات والدول، وما نشاهده ونلاحظه ونلمسه ونعايشه من تقدم وتطور هائل وضخم في كافة المجالات، ما هو إلا انعكاس طبيعي لترجمة البيانات والمعلومات إلى معارف تطبيقية غيرت من موازين الاقتصادات العالمية. والسؤال المهم: كيف يمكن استثمار البيانات؟ لقد تضخم حجم ونوع وشكل البيانات تضخماً كبيراً لم يحدث في السابق، وأصبح يطلق على البيانات في الوقت الحالي ب”البيانات الضخمة”، بل إني أرى أننا في زمن البيانات غير المتناهية، والتي تتطلب جهوداً فكرية وعلمية وعملية وبشرية ومؤسساتية ودولية للاستفادة من الحجم الكبير والهائل للبيانات وتحويلها إلى معرفة تطبيقية تسهم في تطور الحياة ونمو الاقتصاد وازدهار المجتمعات. ويتطلب ذلك عدداً من المتطلبات والقضايا الجوهرية والأساسية: – في ظل الزخم الكبير والهائل للبيانات، يتم تحديد البيانات الضرورية والمهمة واللازمة للنمو والتقدم والتطور وازدهار الاقتصاد، ويتطلب ذلك متخصصين في مختلف المجالات ويملكون معرفة متخصصة وثقافة عامة واسعة يستطيعون من خلالها تحديد البيانات المهمة وذات الأولوية القصوى. – وجود مؤسسات متخصصة في جمع البيانات وتوثيقها وتحليلها بناء على تحديد البيانات ذات الأهمية القصوى، كهيئة البيانات والذكاء الاصطناعي، والهيئة العامة الإحصاء ومراكز الدراسات والأبحاث العلمية المتخصصة. – تصميم برامج كمية ونوعية تعتمد على التقنية المتطورة في التعامل مع البيانات الضخمة وتحليلها بما يحقق الحصول على المعلومات اللازمة ويوفرها لصاحب القرار. – إن توفر المتطلبات السابقة هو نقطة البداية لتوظيف البيانات واستثمارها، لكنه تظل عديمة الجدوى والفائدة مالم يوجد مفكرين يفهمون البيانات وخباياها وأهميتها، وكيفية توظيفها التوظيف الذي يحولها إلى طاقة متجددة تعمل على التنمية المستدامة وتصنع اقتصاد المعرفة وتطور الأفراد والمؤسسات والدول، ويصبح القرار في سياقه الحكيم والرشيد. كل الدول تستطيع الحصول على البيانات، ويظل استثمار البيانات الاستثمار الأمثل يتطلب مفكرين.