أتى رمضان شهر الرحمة والمغفرة والتوبة كما يقوله القاعدون أمثالي من الذين ركنوا للحياة الدنيا وأطمأنوا بها وشهر التحولات والغزوات الكبرى كما يقوله أصحاب الهمة العالية التي تتوق إلى (الوهم) وعودة الحلم وفردوسه المفقود أمثالهم . أتى رمضان ونحن في عين (العاصفة) التي بشرت بها (القديسة) كلينتون -قدس الله سرها- لتقسم الأرض إلى فسطاطين كما قسمها ربيبهم من قبل إلى أهل الله وأهل الشيطان . أتى رمضان وقد قرأنا بالأمس رسالة المعتصم إلى نقفور كلب الروم ونحن يملأنا الزهو ونقف بإجلال أمام كذبة التاريخ العظيمة بينما نكاد نطأطئ الرأس خجلا على أثرها ونحن نسمع رسائل القديسة التي تأتي أكثر احتشاما فتلك غضبة تاريخية لامرأة بأيدي الروم وهذه غضبة (لشعوب) بأيدي جلاديها فأي الرسالتين أجدر بالاحترام وأيهما أحق بالأمن . أتى رمضان ولم يعد هناك نظام عربي واحد تستطيع أن تركن إليه ليعصمك من الفوضى والجهل والتشظي إلا من رحم ربك ,لتكتشف أن جبال الفرقة والتناحر التي زرعت في رأسك هي اكبر من أن تحركها عن مكانها لغة التعايش وحتى (المواطنة) الحالمة التي تحاول أن تنفذها من خلال ثقب ضوء بسيط يبدد وحشة الظلام القادم . أتى رمضان شهر الانكسارات المطعم برائحة الدم 'تتناول حبات من التمر على مشهد طفل ممزق إلى أشلاء تحت أنقاض مبنى في طرابلس قصف من طائرات قد تكون صديقة وتحمل فوق رؤوس الغلابا حمم (الحرية) . تسكب في جوفك جرعات من ماء(ملون)يشبه قطرات الدم النازف في شوارع المدن العربية جراء طعنة خنجر مسموم دهن بكلمات (الله ..اكبر ) ظلما وعدوانا ..لتقف تسأل عن الحقيقة مثل بدوي تائه في الصحراء غابت عنه النجوم في ليلة شتوية ... تحاول أن تبحث عن الحقيقة لتقول لك الأخبار انه حدث هذا اليوم أن قتل في مصر مجموعة من أقباط مصر (المسيحيين)على يد أهل القرية المسلمة التي تجاورهم وان انتفاضة البحرين (طائفية) محمولة على عمائم (قم) الطائرة وان حلب هي غير حماة التي تنام وتصحو على صيحات فاتحها (العرعور) وفريق (احمد فتفت) . تفتش عن شيئ يرسم على ملامحك ابتسامة فتتذكر أن هناك برنامج يسمى طاش ماطاش تحول إلى صحن شوربة في رمضان لاغنى عن رشفة يأتيك أحيانا ساخن وأحيانا بارد يبعث على الاشمئزاز وسخونته عندما يحاول أن يخلخل تلك القدسية التي تم إضفاء عباءتها على مايسمى (المتدينين) في بلاد الله حتى اخذوا دور (الكهنة) في العصور الوسطى قبل أن تلفظهم أوروبا وتحشرهم في أماكنهم وتخرجهم من حياة الناس مثلما يخرج (مطوع) منتفخ جني من شاب هزيل ربما واقع تحت تأثير حبوب (الهلوسة) أكثر من تأثير جني قادم من أدغال أفريقيا . أتى رمضان وسيدة الكون أمريكا تترنح فتتمنى لو انك تملك من القدرة لكي تبسط لها يداك حتى لاتسقط هي الأخرى لان في وجودها رحمة للعالمين . حتى بريطانيا (دار الأمن) والسلام لم تعد كذلك ..لانها تدفع ثمن رصاصة طائشة أطلقها شرطي معتوه على فقير اسود ربما يحاول أن يلتقط لقمة لأطفاله الذين تركهم في حي عشوائي فاهتزت على وقع تهاوي جسده هذه المنظومة الخطيرة من الأمن والاستخبارات وقيم الحرية والعدل التي مسحت بقطرة دم واحدة من( مارك دوغان) 'قتل دوغان كما قتل (بوعزيزي) فاشتعل الجسد إلى ثورة عارمة لن تنطفئ ..ياللقدر ويالسخريته ..دول حصنت أنفسها بالرعب وقتل الشعوب وقمعها ونهبت ثروات الأمم الأخرى ..تسقطها جثة (فقير) يبحث عن لقمة في أكوام القمامة ..صواريخ وطائرات وبوليس سري وسجون لاتصمد طويلا أمام (كف) بسيط من شرطية تونسية وضعت لتحرس النظام فمسحته إلى الأبد كما فعل ضابط شرطة معتوه بجثة (خالد سعيد) من قبل فحملت (فخامة الاستبداد العربي) على سرير في قفص كأنه معد للطيور (الداجنة) وغير إنساني . أتى رمضان وأمريكا تعد العرب بالحرية بعد أن قايضتهم أن ثمنها سيكون النفط مبشرة بقيام طريق (الحرير الجديد) ليتعانق نفط أفغانستان مع نفط كركوك ونفط سوريا ليصب في مرافئ حيفا أنها تجارة رابحة مع الشعوب التي همشتها أنظمتها طويلا مقابل زيت لم يستفيدوا منه سوى أنهم بقوا طوال هذه السنين حراسا له لكي لاتنقص منه قطرة تؤثر على نقص ثروة (الاستبداد) العربي في البنوك السويسرية . انه رمضان لايعرف قدره إلا الجياع والخائفين كما الوطن لاتدرك قيمته إلا عندما يقع في عين العاصفة القبلية والطائفية المستلة من مراكز الدراسات الإستراتيجية . عمري الرحيل