عندما أذاعت قناة الجزيرة في قطر أول شريط فيديو لأسامة بن لادن بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، رأت الإدارة الأمريكية أن ذلك يشكل خطراً عليها وأن من الواجب أن تمنعها من القيام بنشر رسائل القاعدة ،لكنها وجدت ذلك مستحيلاً وليس له فائدة في عصر تدفق المعلومات وثورة الاتصالات ،وكذلك فهو يسيء إلى سمعتها ويتناقض مع دعوتها للانفتاح وحرية الرأي و التعبير، فرأت أن تستبدل هذا الخيار بخيار آخر ، وهو أن تقوم بإغراق الجزيرة وغيرها من القنوات التي تعتقد أنها معارضة لسياستها بقنوات مضادة ، وأصوات تعلو فوق صوتها حتى تحد من علوه ،وأن تقوِّض من جاذبيتها ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً ،كما رأت أن من الوسائل الممكنة لإسكاتها هو أن يستجيب المحللون الأمريكيون لدعوتها وأن يظهروا على شاشاتها لا سيما وأن رئيس مكتبها في واشنطن قد قال : (من فضلكم تعالوا وتحدثوا إلينا واستغلونا ) ... الكثير من السياسيين الآن يعتقدون أن قناة الجزيرة هي القوة المحركة للكثير من الأحداث حول العالم ، ويعتبرونها القوة الناعمة لدولة قطر ،لكن القناة والحكومة القطرية لا ترغبان الربط بينهما ؛حفاظاً على مصداقية الأولى ولئلا تحرَج الثانية في بعض الأوقات ،و تتعاطيان مع الأحداث أحياناً بطريقة تبدو متعارضة ، بيد أن من السذاجة تصديق ذلك ، فكل وسائل الإعلام موجهة وتعمل لجهات معينة ، والفرق بين جهة وأخرى هو في طريقة التوجيه فقط ، فهناك وسائل إعلام تمارس الدعاية بطريقة فجة وانحياز واضح ،فتفتقد موضوعيتها وتقل جاذبيتها ،وتضر بالحكومات أكثر مما هي تنفعها ، كما أن غزارة و سائل الإعلام قد أغرت الجماهير بالانصراف عنها إلى غيرها ،أما الصنف الآخر من وسائل الإعلام فهي تلك التي تُظهر العمل باحترافية كبيرة ومهنية عالية ،فقد لاحظ أحد المسئولين في الخارجية الأمريكية أن – احتواء المكتبات على مجلات تنتقد إدارة الرئيس ترومان وكتب تتعلق بالمسألة العنصرية من شأنه إقناع القراء في الخارج بمصداقية المادة -.فلكي تكون موضوعياً لا يجب أن تقف دوماً إلى صف النظام الذي تعمل من أجله حتى في أتفه الأمور،ولا تحاول تبرير الأخطاء الفادحة أو إنكارها ،ولا تُظهر انحيازاً إلى النظام أكثر من الشعب ،حتى إذا جاءت اللحظة الحاسمة ووقفت إلى صف النظام صدقك الناس ،وأعتقد أن الجزيرة تعمل بهذا المبدأ الذي يعتمد على الإيهام بموضوعية، فبواسطتها أصبحت دولة قطر من الدول المؤثرة في العالم ،وحصلت على قيمة هي أكبر كثيراً من مساحتها وتعداد سكانها وقوتها العسكرية ،وصار بإمكانها أن تضرب بأكثر من وزنها ... الجزيرة ودولة قطر مثال مناسب على أن القوة العسكرية وحدها لم تعد المعيار الأوحد في التأثير والتوجيه وحشد الحلفاء ،وأن الصراع في العالم الآن هو صراع جذب ثقافي أكثر من كونه صراع عسكري،ينتصر فيه من يمتلك أدوات جذب فاعلة ،تساعده في الترويج لمبادئه و إقناع أكبر حشد من الشعوب بالوقوف إلى جانبه ، يقول كولن باول وزير الخارجية الأمريكي السابق : ( لا أستطيع أن أفكر في رصيد لبلدنا أثمن من صداقة قادة عالم المستقبل الذين تلقوا تعليمهم هنا ) . كثيراً ما أتساءل إن كان ثمة قوة ناعمة تمتلكها السعودية ، وهل وسائل الإعلام لدينا بإمكانها نشر مبادئنا وقيمنا والترويج لثقافتنا والدفاع عن قضايانا أمام العالم ؟،هل يمكنها الصمود أمام هذه الموجة الجارفة التي تجتاح العالم في مجال المعلومات ؟،والحقيقة أن الإجابة على هذه الأسئلة هي في غاية السهولة والإحباط في نفس الوقت ،فوسائل الإعلام في السعودية لا تؤدي دورها كما يجب، إما لأسباب داخلية تتعلق بالمؤسسة الإعلامية نفسها تجعلها موغلة في التقليدية وغارقة في البيروقراطية،أو بسبب القيود المفروضة عليها ،وعدم وصول حرية الرأي والتعبير إلى الحد الذي يسمح بأن يتخاطب الناس فيما بينهم أو أن يخاطبوا غيرهم بكل صراحة ووضوح وإقناع ،كما أنها لا تمتلك من الموضوعية ما يغري الآخرين بمتابعتها،ولا تساعد حتى في أن ينجذب المواطن إليها،يُستثنى من ذلك قناة العربية وجريدة الشرق الأوسط القوتان الناعمتان للسعودية ... شافي بن عايد الوسعان