قبل نحو عقدين، وقف رجل في مسيرة كبيرة بمدينة اسطنبول تهدف (باطنا) إلى إسقاط الحكم في البلاد وإحراز مكاسب سياسية، وتلا أسطرا من الشعر سجن على إثرها بعد ثبوت تهمة التحريض على الكراهية الدينية في الأوساط التركية، وعرف هذا الرجل فيما بعد وفقا لما ذكره تقرير لمجلة النيوزويك الأمريكية، برجب طيب أردوغان. المفارقة الغريبة في القصة السابقة أن المجلة الأشهر في الأوساط الأمريكية نشرت تقريرا يتضمن حقائق وأرقام عن أن ثلث الصحفيين المسجونين في العالم يقبعون في السجون التركية، بأوامر من نفس الشخص، وهو الآن الرئيس التركي. اعتقل النظام التركى عشرات الصحفيين، فضلا عن آلالاف المعارضيين من كافة فئات المجتمع، منذ محاولة الجيش الفاشلة للإطاحة به فى يوليو 2016، موجها لهم اتهامات بالإرهاب بسبب مقالاتهم وتدويناتهم على مواقع التواصل الإجتماعى أو آراء عبروا عنها. صحفيون كثيرون مثل أحمد ألتان، تم الحكم عليهم بالإعدام، إضافة إلى إغلاق أكثر من 180 وسيلة إعلامية وفقدان ما يزيد عن 2500 صحفى وعاملين آخرين فى الإعلام لوظائفهم، ومن غير المفاجئ أن مؤشر “وورلد برس” لحرية الصحافة هذا العام وضع تركيا فى المرتبة 157 دولة من بين 180 دولة حيث تأتى بعد رواندا. ومنذ 2013، تعمق القمع وزاد النظام التركي في سياسته أعقاب ظهور تسريبات لمحادثات هاتفية بدت أنها تتهم متخذي القرار في تركيا بالفساد، بعدها شهدت الأوساط التركية تضييقا بشدة على حرية التعبير، ما أدى إلى تراجع تصنيف تركيا فى حرية الصحافة، واتهم الصحفيين والكتاب والفنانيين بالخيانة ووصفت تركيا بأنها أول بلد فى العالم بمجال سجن الصحفيين، ونددت باعتقال مئات الصحفيين والإعلاميين وأغلقت الأجهزة الأمنية مؤسسات إعلامية عدة بسبب مواقفها الرافضة للسياسات القمعية والتعسفية. بعدها، فرضت الحكومة قيودًا على وسائل الإعلام من خلال إقرار الغرامات التأديبية التى يتم تطبيقها بشكل انتقائى تجاه كل من يناهض الحكومة، كما تشن الحكومة حملات تشهير ضد الصحفيين وتقوم بعمليات احتجاز دون محاكمة لبعض الصحفيين بتهم الإرهاب، وصنفت لجنة حماية الصحفيين الدولية تركيا السنوات الماضية بأنها البلد الأول عالميا فى قمع الحريات الصحفية وسجن الصحفيين. مستوى متأخر وأكدت منظمة “مراسلون بلا حدود” فى تقريرها السنوى، على أن تركيا أصبحت سجنا كبيرا، وقالت إن عدد الصحفيين المسجونين والمعتقلين فى العالم سجل خلال العام الماضى، ارتفاعا مرتبطا بالوضع السياسى فى تركيا، مشيرة إلى أن معتقلات تركيا يقبع خلفها الكثير من الصحفيين والمعارضين. وبينما يغلق النظام التركى صحفا ويمارس اعتقال الصحفيين المعارضين فقد فتح منابر إعلامية لقيادات من جماعة الإخوان الداعمة لسياسة الإرهاب في العالم، عبر دعم جماعات يمنحها الملاذ الآمن داخل تركيا، وفتح أبوابه للتنظيمات المسلحة، وقدم تسهيلات وإغراءات لأكثر من 300 إعلامى عربى، وجعلت من اعلامه أبواق تحرض على العنف والإرهاب فى البلدان العربية لخدمة أجندة مشبوهة. الاعتقال بالجملة ففي أوائل العام 2017؛ كشفت تقارير وزارة العدل التركية أن أعداد المسجونين خلف قضبان السجون والمعتقلات حتى الأول من شهر نوفمبر الجارى بلغت 230 ألف و735 سجينًا. وأوضحت وزارة العدل التركية في ردها على الاستجواب المقدم من نائبة حزب الشعب الجمهوري وعضوة لجنة حقوق الإنسان فى البرلمان غمزة أككوش إيلجازدي أن السجون التركية تضم 230 ألف و735 سجيناً وفقًا لإحصائيات الأول من شهر نوفمبر الجارى. وبحسب التقرير الذى أعدته النائبة إيلجازدى، فإن أعداد السجناء ارتفع خلال العقد ونصف الأخير بنحو 288%، وسجلت أعداد السجناء من النساء في الفترة نفسها ارتفاعًا بنحو 388%. وأشارت فى تقريرها إلى أن أعداد السجناء في السجون والمعتقلات التركية أكثر من مجموع سكان 13 مدينة تركية. وأشارت الصحيفة إلى أن التقارير الحكومية التركية سجلت أعداد السجناء عند صعود حزب العدالة والتنمية إلى الحكم بتاريخ 31/12/2002 بنحو 59 ألف و429 سجيناً، إلا أن التقارير الحالية تكشف ارتفاع تلك الأعداد 4 أضعاف ما كانت عليه خلال العقد والنصف الأخير. وبحسب تقرير وزارة العدل فإن عدد السجناء في السجون المغلقة في 1 نوفمبر 2017 بلغ 186 ألف و631، لتسجل بذلك زيادة قدرها 288%. كما كشف التقرير أن أعداد السجناء في يناير من العام الجارى سجلت 201 ألف و10 سجناء، وارتفعت بحلول شهر نوفمبر من العام نفسه إلى 230 ألف و735 سجينًا، مسجلة زيادة قدرها 15% خلال 11 شهرًا فقط، وبحسب معتطيات وزارة الداخلية التركية يزيد عدد السجناء في تركيا منذ انقلاب العام الماضي عن 50 ألف سجين. انقلاب أم ذريعة للعنف ووفقا لتقارير رسمية نشرت في صحيفة واشنطن بوست في أوائل العام 2018، فإن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد اتخذ محاولة الانقلاب الفاشلة زريعة ليصل عدد المعتقلين في السجون التركية إلى 13165، بينهم “8838 عسكريا و2101 من القضاة والمدعين العامين و1485 من الشرطة، و52 من رؤساء الخدمة العامة و689 مدنيا، من بين هؤلاء أكثر من 5800 معتقلا، بينهم 123 برتبة لواء و282 من الشرطة و1559 من القضاة والمدعين العامين، وتم إغلاق نحو 934 مدرسة و15 جامعة، إلى جانب 104 منظمات مختلفة، إضافة إلى ما نحو 1125 جمعية، وتمت مصادرة كل ممتلكاتهم من قبل الدولة. إضافة إلى هذه الأرقام، تم إغلاق مقار 19 نقابة عمالية و35 مؤسسة طبية، في حين تم إبطال جوازات سفر 10856 موظفا، وبالإجمال، طالت حملات الاعتقال والتوقيف قرابة 70 ألف شخص، من بينهم 43 ألف تم إيقافهم عن أعمالهم في قطاع التعليم، و100 أكاديمي، و1577 طلب استقالة لعمداء كليات. جاء في التقرير الذي أعدته جمعية حقوق الإنسان، استناداً إلى أقوال المساجين في السجن المركزي التركي، بشأن ما يتعرض له المحتجزون في السجون التركية من انتهاكات، أنه اعتبارا من 15 نوفمبر 2017، أُلقي في السجن 228993 سجيناً؛ متوزعين على عدد 384 سجناً في عموم تركيا. ويلجأ ما يربو عن 20000 سجين في هذه السجون إلى الاستلقاء على الأرض؛ لأنهم لا يجدون لهم مكاناً في هذه السجون، التي لا تتعدى السعة القصوى لها 207.279 فرداً فقط. أضف إلى هذا أن عدد المحبوسين قد ارتفع خلال هذه الفترة إلى 59.429، بعد مجيء حزب العدالة والتنمية إلى الحكم. كما ازدادت الظروف المعيشية في هذه السجون سوءاً، خاصة بعد إعلان حالة الطوارئ في البلاد؛ حيث تتوارد الأنباء، بين الحين والآخر، بشأن ما يتعرض له المحتجزون من تعذيب، ومن معاملة سيئة. كما تحولت الانتهاكات الصحية، ومنع المساجين من الاتصال بذويهم، وما يتعرضون له من عقوبات تأديبية تعسفية، والتجريد من الملابس، والعزل، إلى ممارسات عادية؛ ترتكب كل يوم هناك. ووفقاً لتقريرٍ عن انتهاكات حقوق الإنسان، صدر في عام 2017، عن فرع جمعية حقوق الإنسان في ديار بكر، فإن 433 سجيناً تعرضوا للتعذيب ولسوء المعاملة، خلال عام واحد داخل سجون هذه المنطقة فقط. ووفقاً للتقرير نفسه، فإن أحد عشر سجيناً تعرضوا للقتل داخل السجن خلال هذه الفترة؛ زعمت الحكومة التركية أن ثلاثة منهم ماتوا محترقين، وأن ثمانية منهم قد انتحروا، في حين توفي ستة مساجين متأثرين بأمراض مختلفة. إضافة إلى اثنين آخرين قضوا نحبهم على يد المساجين الآخرين.