تتبع الغياب ضروري يشكل موضوع تنظيم سلوك الطلاب ومواظبتهم في المدارس مكانة مهمة في العملية التعليمية، فهو جزء من التربية الأخلاقية التي حثت عليها السياسة التعليمية في المملكة. وجاء الإصدار الحديث لقواعد السلوك والمواظبة للمرحلتين المتوسطة والثانوية الصادر من وكالة الوزارة للتعليم ممثلة بالإدارة العامة للتوجيه والإرشاد، مؤكدا على تعزيز سلوك الطالب وضبطه وتقويمه في ضوء السياسة التعليمية للملكة العربية السعودية. كان من الضروري الانطلاق في تتبع "تثبيت الغياب" في نظام نور بشكل يومي، لدراسة مشكلة الغياب ومعالجتها، من خلال بيانات موثوق بصحتها، من خلال إدارات التعليم في المناطق والمحافظات، وتكثيف الزيارات الميدانية لتحقيق هذا الهدف وللتأكد من نسبة الغياب الفعلية، ومع زيادة التركيز والمتابعة الدقيقة تم الوصول إلى نسبة 100% مما يعطي مؤشر يمكن الاعتماد عليه. وتكشف قراءات نسب الغياب خلال أيام وأسابيع العام الدراسي وجود تفاقم لمشكلة الغياب خلال الأسابيع التي تسبق الاختبارات النهائية في كلا الفصلين الدراسيين على حد سواء، مع زيادة واضحة في النسب كلما تقدم الطالب في المرحلة الدراسية وبشكل تصاعدي، مع ارتفاع النسبة عند الطالبات لما يقارب الضعف في بعض الفترات من العام. أما فيما يخص تتبع الغياب خلال أيام الأسبوع في المرحلة الدراسية، فقد وجد ارتفاع ملحوظ في نسب الغياب عند بداية الاسبوع ونهايته، ما يعطي انطباعا إلى ارتباطه بإجازة نهاية الأسبوع، وربما بعض الممارسات الخاصة بذلك، مثل السفر أو اضطرابات النوم خلال الإجازات وقد يكون من المناسب هنا دعوة الباحثين المهتمين بالشأن التربوي إلى القيام بدراسات للإجابة على هذه الأسئلة. تأثير الغياب على تحصيل الطلاب والطالبات وفق بيانات الدراستين الدوليتين PIRILS و TIMSS تشير نتائج الدراستين الدوليتين PIRILS و TIMSS أن 50% من الطلبة الذين حصلوا على درجات ضمن المستوى الدولي المنخفض جدا ينتمون لمدارس تعاني من تفاقم لمشكلة الغياب بين طلابها، والأثر السلبي العالي لهذه المشكلة على تحصيل الطلبة خاصة في مهارة القراءة بالصف الرابع الابتدائي، والتي تعتبر مهارة أساسية ومؤثرة في تحصيل الطالب لبقية العلوم الأخرى، بل أن أثرها يمتد مع الطالب لبقيّة حياته، فالقراءة أداة لفهم العالم. كما أوضحت الدراسات الدولية، أن الطلاب المتفوقين في الرياضيات والعلوم ينتمون لمدارس لا تعاني من مشكلة في الغياب. بينما تشير نتائج الدراسات المحلية التي تناولت موضوع الانضباط المدرسي وعوامل تحقيقه ومدى فعالية لائحة السلوك والمواظبة، إلى أن زيادة الالتزام التنظيمي لدى مديري المدارس يزيد من الانضباط المدرسي، وإلى فعالية كل من إجراءات لائحة السلوك والمواظبة وتقويم السلوك الطلابي في عملية الضبط الاجتماعي بدرجة عالية، وقد يعزى ارتفاع نسبة الغياب إلى دور الاسرة والإدارة المدرسية والمعلم والأقران في انضباط الطالب. توصيات وأهداف أوصت الدراسات إلى تهيئة أجواء من الثقة والمحبة والتعاون داخل المدرسة، وبين كل من المدير والمعلمين والطلاب, وتفعيل المسؤوليات المنصوص عليها في لائحة السلوك والمواظبة والتي تعد إجراءات وقائية مسبقة, تتضمن ضبطاً داخليا إيجابيا. كما أوصت برفع درجة السلوك والمواظبة, مع وضع تقديرات متدرجة لها وعقد الاجتماعات الخاصة مع أولياء أمور الطلاب الأكثر غياباً لبحث أسباب الغياب وطرق معالجتها بأفضل الأساليب التربوية مع توعية وتثقيف الطلاب بأهمية المواظبة وأثرها في التحصيل الدراسي، والعمل على توعية الطلاب وأولياء أمورهم من خلال وسائل الأعلام المختلفة بخصوص انعكاس ظاهرة الغياب على الطالب وعلى تحصيله الدراسي العلمي. ولتحقيق أهداف الانضباط والمواظبة في المدارس، لابد أن تقوم المدرسة بوظيفتها التربوية وبأن توفر بيئة تعليمية جاذبة ومشجعة للتعلم والانضباط، والتي تعد من مسؤولية الكادر الإداري والتعليمي (مدير المدرسة، المعلمين والمرشدين ورواد النشاط)، وذلك بإيجاد ثقافة مدرسية "منظومة القيم والمعايير والمعتقدات والتقاليد والممارسات الموجودة في المدرسة " تشجع على الانضباط وعدم الغياب وتسعى لتحقيقه وتشاركهم في البرامج والأنشطة المدرسية. كذلك قيام إدارة المدرسة بوظيفتها القيادية من خلال الاشراف على دخول الطلاب للمدرسة وانصرافهم منها, والتعرف على الطلاب ومشاكلهم والصعوبات التي تعوق تحصيلهم الدراسي وتشجعهم على التسرب والغياب. وإضافة إلى التعامل الجيد والمناسب مع الطلاب من خلال تفهم خصائص نموهم واحتياجاتهم والمتغيرات التي تؤثر على سلوكهم وانفعالاتهم، يجب تجنب أهمال السلوكيات السيئة أو بوادر ظهورها واستخدام الحكمة في معالجتها، والعمل على كسب ود الطلاب واحترامهم، مع توظيف العملية التعليمية بمختلف برامجها وأنشطتها في تحقيق الانضباط بالدوام المدرسي وعدم الغياب.