شويش الفهد لو لم تكن نعمة النسيان موجودة في حياة كل منا لأصبحنا نعاني من سوء الحال وتعكر المزاج، وربما يصاب البعض منا بالأمراض النفسية والجسدية نتيجة التفكير المتواصل في الأحداث والمواقف المؤثرة، فقد أنعم الله علينا بهذه النعمة العظيمة التي لا يدرك قيمتها ومكانتها إلا من حصلت له مواقف مأساوية كحالات الحزن مثل وفاة الأقارب والأمراض والآلام الخطيرة وغيرها من مصائب الدنيا التي بتكالبها على الإنسان تجعله ضعيفاً لأبعد الحدود. وقد ينظر الكثير من الناس لحالة النسيان من جانب واحد فقط هو الجانب السلبي، ويغيب عن أذهانهم أنها نعمة عظيمة لا ندري ماذا سيحل بنا لو لم تكن موجودة؟ فلو لم ينسى الإنسان آلامه وأحزانه لواجه صعوبة في حياته ولأثر ذلك على مستقبله بسبب عدم قدرته على الخروج من دائرة الذكريات السيئة، وصدق أحد المفكرين عندما قال: "إذا كان لك ذاكرة قوية وذكريات مريرة فأنت أشقى أهل الأرض"، ومن عظيم قدرة الله سبحانه وتعالى فيما يخص هذه النعمة العظيمة أن الله يجعلنا ننسى الأحزان والآلام التي تصيبنا ولكن الأحداث تبقى في أذهاننا لنتعظ ونعتبر منها، تذكر الآن بعضاً من المواقف الحزينة التي مرت بك في حياتك سواءً كان ذلك مرضاً أو مصاباً ألم بك، توقف عن القراءة للحظات قليلة بعد هذه الجملة وحاول أن تتخيل الاحساس والشعور الذي كان ينتابك لحظة الألم والمصاب العظيم، حتماً لن تستطيع استعادة ذلك الشعور لأن الله أنعم عليك بنسيانه، لكنه جعل الموقف باقياً في ذاكرتك حتى يكون درساً ورسالة تحذير لك. الكثير من الناس عانوا الأمرين في سنواتهم الأولى وخصوصاً من ذاقوا مرارة اليتم وقسوة التشرد وظلم الأقارب، ومن أولئك الناس ظهر الكثير من العظماء والعباقرة الذين تبدلت أحوالهم فيما بعد، حيث ساهمت مواهبهم وقدراتهم الخاصة وشخصياتهم الطموحة في الانتقال من تلك المرحلة المثخنة بالجراح والألم إلى مراحل مليئة بالسعادة والسرور، فتجد أولئك العظماء لا ينسون تلك المراحل المظلمة من حياتهم وتتساقط دموعهم حزناً عندما يتذكرونها ويتحدثون عنها لكنهم في نفس الوقت لا يستطيعون وصف ذلك الشعور المؤلم الذي عاشوه في تلك السنوات لأن الله أنعم عليهم بنسيانه لكنه لم ينسيهم تلك المواقف. وهنالك أمرُ آخر تجدر الإشارة إليه عندما نتحدث عن نعمة النسيان، ففي حياة العظماء تكون تلك الذكريات الحزينة دافعاً ومحفزاً لهم للبحث عن طرق النجاح، حتى إذا ما اهتدوا إلى الطريق الصحيح تذكروا من يعاني مثلما كانوا يعانون في حياتهم وانعكس ذلك على أخلاقهم وأعمالهم، ومن المؤكد بأنكم قد سمعتم أو قرأتم تلك الأخبار التي ذكرت بأن شخصيات هامة أصيب البعض منهم بأمراض خطيرة فسخروا أنفسهم وأموالهم لمحاربة ذلك المرض الخطير والمساهمة في علاج المرضى الذي لا يستطيعون تحمل تكاليف العلاج الباهظة، ومن المؤكد أيضاً أنكم قد قرأتم عن بعض الأثرياء في قارة أفريقيا ممن سطعت نجومهم بعد حياة البؤس والشقاء فقاموا ببناء المدارس وحفر الآبار وبناء المستشفيات في بلدانهم التي عاشوا وعانوا فيها. شويش الفهد