لم تفلح جميع سبل العلاج في إنهاء معاناة سيدة من الإكتئاب، حتي اضطر الأطباء إلى زرع أقطاب كهربائية في دماغها، ليؤكدوا لاحقا أن هذه الطريقة لتحفيز الدماغ، اثبتت نجاحا بشكل مثير. وعانت المريضة التي لم يكشف عن اسمها معظم سنوات شبابها من الاكتئاب، وجربت طرق علاج عديدة لمساعدتها في الشفاء منه، بداية من مضادات الاكتئاب، ومرورا بالعلاج النفسي، وحتى العلاج بالصدمة الكهربائية، من خلال تمرير تيار كهربائي عبر الدماغ بأكمله. وبحسب تقرير لموقع (BBC) فإن تأثير هذه العلاجات كان سريع الزوال. إلا أن المريضة كانت تعاني أيضًا من السمنة المرضية المفرطة، إذ كانت تزن 183 كيلوجراما، وهذا جعلها محدودة الحركة، وبالتالي تفاقمت أعراض الاكتئاب وكلما زاد وزنها اشتدت أعراض الاكتئاب والعكس. وساهمت جراحة تحويل مسار المعدة في إنقاص وزنها إلى حد ما، لكن ليس كما كانت تتوقع، كما كان تأثيرها محدودا على الاكتئاب. وأخيرا قرر الأطباء النفسيون، بعد استنفاد جميع سبل العلاج، إجراء عملية زرع جهاز كهربائي في دماغها، وتعرف هذه العملية باسم التحفيز العميق للدماغ.وكثيرًا ما تستخدم هذه العملية لتقليل أعراض الشلل الرعاش والصرع. ولم تساعد هذه العملية في علاجها من الاكتئاب فحسب، بل أيضا ساهمت في إنقاص وزنها أكثر من طرق إنقاص الوزن الأخرى. إذ كانت تفقد نحو 2.8 كليوجرام شهريا، أي أكثر بنسبة 50% من الكيلوجرامات التي كانت تفقدها بعد جراحة تحويل مسار المعدة. ويقول توماس مونتي، طبيب الأعصاب بجامعة ليوبيك بألمانيا، الذي تولى علاجها، إن الهدف الرئيسي من هذه العملية كان علاج الاكتئاب، لكن إنقاص الوزن كان هدفا ثانويا. إلا أن الوزن والاكتئاب كانا مرتبطين معا في حالتها. وقد يثير نجاح هذه العملية نقاشا جديدا حول كيفية معالجة السمنة التي توصف بأنها وباء العصر، كما يفتح المجال أمام إمكانية إعادة برمجة الدماغ، في حالات نادرة، للامتناع عن السلوكيات التي تؤثر سلبيا على الصحة، مثل الإدمان. ربما تظل عملية التحفيز العميق للدماغ مثار جدل، لكنها ليست جديدة، إذ يعود اكتشافها إلى ثلاثينيات القرن الماضي، حين كان جراحو الأعصاب أقل حذرا بمراحل من جراحي الأعصاب في الوقت الحالي. كيف تجري عملية تحفيز الدماغ بالكهرباء؟ ولتنفيذ عملية التحفيز العميق للدماغ، يحفر الأطباء ثقبا صغيرا في جمجمة المريض، ثم يُدخلون من خلاله الأقطاب الكهربائية إلى الدماغ، ويظل المريض مستيقظا في الغالب، حتى يتمكن الباحثون من معرفة البؤرة المسببة للاضطرابات أثناء تحفيز الدماغ. وفي حالة المريضة، كانت المنطقة المستهدفة من الدماغ هي منطقة "النواة المتكئة"، المسؤولة عن المكافأة، ولها أهمية في عملية الربط ما بين المثير والشعور بالمتعة. وأشارت أدلة كثيرة إلى ارتباط هذه المنطقة بالاكتئاب، لأن المصابين بالاكتئاب يفقدون الاهتمام بالمتع. وقالمونتي، لموقع "بي بي سي فيوتشر" عن مريضته، التي فضلت إخفاء اسمها الحقيقي: عندما تحفز هذه المنطقة من الدماغ كهربائيا، يمكنك أن تلاحظ على الفور استجابة انفعالية من المريض. معالجة السمنة يقول مونتي إن السمنة قد يكون مردها لدى بعض الأفراد تغيرات في نظام المكافأة في الدماغ. وفي إحدى الدراسات، كانت استجابة أدمغة المصابين بالسمنة تجاه صور الطعام الشهي مختلفة عن استجابة أدمغة من يعانون من النحافة تجاه نفس الصور. ومؤدى هذه النظرية أن منطقة النواة المتكئة من الدماغ هي المسؤولة عن جذب المدمنين إلى الأشياء التي يشتهونها، سواء كانت طعام أو كحول أو مخدرات. تكبح عادة المنطقة، التي تساعدنا على التصرف بعقلانية في الدماغ، جماح هذا الجزء التواق للمكافئة الفورية. وقد عالج الأطباء الشراهة في تناول الطعام في بعض الحالات كسلوك قهري، إذ كانت بدانة إحدى المريضات سببها ورم في الدماغ أصابها في مرحلة الطفولة، وأتلف الجزء المسؤول عن تنظيم الجوع والإحساس بالشبع من الدماغ. وكانت المريضة لا تفكر في شيء سوى الطعام.