أصبح جلياً أننا نعيش مرحلة بناء صورة جديدة للملكة العربية السعودية اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً وأمنيا محلياً ودوليا ولا شك أن ترتيب الأولويات في ضوء الصورة المأمولة للمستقبل أمر في غاية الأهمية. وقد أسعد الشعب السعودي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بجرأة غير مسبوقة ورؤية واضحة وعميقة وثقة مطلقة ودراية تامة بالإعلان عن عدد من المشروعات الاقتصادية التنموية الاستثمارية الوطنية الضخمة التي ستشكل نقلة نوعية في عوائد الدولة المالية وتقلل من الاعتماد على النفط كمصدر رئيس لموارد الدولة وما يترتب على ذلك من توفير فرص عمل جديدة وحديثة تستوعب النسبة الكبرى من الشباب السعودي ، وأيضا إجراء سموه لبعض الإصلاحات الهيكلية في بعض أجهزة الدولة الخدمية واستحداث بعض المجالس التشريعية والتنفيذية التي يمكن أن تسهم في نجاح برنامج التحول الوطني 2020. إلا أن الملاحظ عدم الإعلان عن مشروع وطني واضح المعالم أو إستراتيجية تتعلق بالتعليم ، خاصة وأن رؤية 2030 أكدت غير ذات مرة وفي مواضع كثيرة منها على أهمية التعليم والتوجهات العامة حيال تطويره ودوره الأساسي في تحقيق الرؤية. وليسمح لي سموه الكريم بالقول أن أولى الأولويات الوطنية وأهمها على وجه الإطلاق ودون منازع هو (إعادة هندسة التعليم) والوزارات ذات العلاقة المباشرة ببرامجه ومشروعاته كوزارة الخدمة المدنية ووزارة المالية ووزارة العمل هذا القطاع المعني بالاستثمار في رأس المال البشري وبناء الإنسان السعودي القادر على صناعة حضارة جديدة وإعادة أمجاد نقطة انطلاق الحضارة المعاصرة والإسهام الفعلي في تحقيق 2030. إن واقع التعليم بشطريه العام والعالي لا يخفى على أنظار سموكم الكريم ، وهو واقع أثبتته كثير من الدراسات البحثية النظرية والتطبيقية والانطباع العام والمؤشرات الواضحة التي أوجزت ذلك الواقع في ضعف وقصور فلسفته وضخامة هيكله وازدواجية علاقات السلطة والإدارة فيه وضعف كفاءته الداخلية والخارجية والبحثية على مستوى الجامعات وانفصامه عن متطلبات التنمية. وأكاد أجزم أن هناك عدد من القضايا الإستراتيجية في قطاع التعليم لو تم العمل عليها وفق مشروع تطويري وطني بعيداً عن استنساخ تجارب دول أخرى لأحدث ذلك نقلة تاريخية في إدارة قطاع التعليم السعودي ، منها على سليل المثال لا الحصر؛ تغيير فلسفة التعليم من الفلسفة المثالية التي تركز على العموميات والقيم العليا إلى مزيج من الفلسفة المثالية والواقعية التي لا تتعارض وعقيدتنا وقيمنا الإسلامية. ثم إعادة هيكلة الوزارة وعلاقاتها بإدارات التعليم التابعة لها والجامعات لتتجه نحو النمط اللامركزي في إدارة التعليم ومنح مزيد من الصلاحيات لإدارات التعليم والاستقلالية التامة للجامعات مع مراعاة بلورة نموذج تربوي عملي شمولي يراعي القضايا المشتركة كالمناهج ومصادر التمويل وإعداد وتأهيل الموارد البشرية ؛ وأيضا أهمية فصل التعليم العام عن التعليم العالي والبحث العلمي في ضوء ضخامة المنتسبين للقطاع التعليمي ووجود تباين في الأهداف والسياسات التفصيلية بين التعليم العام والتعليم العالي ؛ والسعي نحو إعادة تأهيل الموارد البشرية في قطاع التعليم وأهمهم المعلمين على وجه الخصوص وفق برامج عملية تخصصية وعامة قصيرة المدى على رأس العمل والتعجيل بإصدار الرخصة المهنية للمعلم. وتفعيل دور أعضاء هيئة التدريس في الجامعات بما يناسب طبيعة عملهم ووظائف الجامعة وذلك بتطوير نمط التعليم وأساليبه والتحول نحو المشاركة الحقيقية للطالب الجامعي في بناء المعارف وتوظيفها وبالتشجيع على إعداد البحوث العلمية ودعمها مالياً وتكثيف عقد المؤتمرات والندوات العلمية المتنوعة والتوسع في برامج الدراسات العليا كمصدر من مصادر الاستثمار وبالذات في الجامعات الناشئة التي ستواجه عقبة كؤود في استثمار مواقعها مقارنة بالجامعات العريقة والعمل على تلمس احتياجات المجتمع ومتطلباته والإسهام في تنميته وتحقيق رفاهة. واستقطاب القطاع الخاص في عملية الاستثمار في البنى التحتية والعلوية لمؤسسات التعليم والذهاب بعيداً في جانب الخصخصة المدروسة وإعادة النظر في الكوادر الوظيفية للمعلمين وأعضاء هيئة التدريس لتتوازى مع العطاء اللا محدود لهذه المهنة وليكن جاذباً للطلاب الملتحقين بمهنة التعليم العام أو العالي. سمو الأمير إن السرعة في الإعلان عن مشروع إعادة هندسة التعليم يعد خياراً استراتيجيا ملحاً في هذه المرحلة وذلك لاستثمار أهم عناصر رأس المال وتوطين التقنية ( أداة العصر الحاضر والمستقبل ) والتحول من استهلاكها إلى المشاركة في صناعتها وتوظيفها وتطويرها لشكل مستمر وأن المجتمع بكافة شرائحه ومؤسساته التربوية لينتظر من سموكم الكريم هذا الإعلان الهام في ضوء ما يعانيه التعليم من مشكلات متراكمة وأرث يؤرق المسؤولين عن إدارته وعدم رضا من المواطنين وخبراء التربية والتعليم على وجه العموم والله من وراء القصد.