ذكر الكاتب خلف الحربي خلال مقاله الذي نشره في صحيفة عكاظ اليوم أن قضية قيادة المرأة في السعودية بمساحة واسعة من صحافتنا، وكتب فيها العديد من المهتمين سواءً بالتأييد أو بالرفض انطلاقاً من الرؤية العلمية والفكرية التي يؤمن بها، ولكن الكاتب خلف الحربي يتناولها من منظور آخر في مقاله وهو المنظور المجتمعي وحالة الانفصام التي تحدث في القرارات والمجتمع، وكيف أن العالم من حولنا يتغير، وهناك العديد من القرارات والمشاريع التي لابد أن نتخذها، ولكننا لا نستطيع، وكيف أنه سوف ينتج عن صمتنا وتراجعنا ما لا نود أن نراه في المجتمع السعودي على المدى القريب وعلى المدى البعيد. يقول الحربي “نشرت الصحف أمس خبر استيقاف السيدة منال الشريف التي قادت سيارتها للمرة الثانية في المنطقة الشرقية، كانت عملية إيقافها سهلة جدا لأنها أعلنت عن نيتها القيام بهذا العمل عبر حملة (سأقود سيارتي بنفسي) على شبكة الإنترنت ولكن الجزء الصعب من هذه العملية هو تحديد الجهة التي ستذهب إليها الشريف بعد إيقافها حيث قالت هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إنها غير معنية بهذه القضية لعدم وجود مخالفة شرعية وفي الوقت ذاته وجدت الشرطة أن منال لم ترتكب جريمة أمنية بل مجرد مخالفة مرورية تخص المرور، أما المرور فهو غير معتاد على توجيه المخالفات للنساء لأنهن لا يقدن السيارات.” وعبر عن المجتمع الحائر، باعتبار رأيه الخاص، وكيف صنعنا هذا الهم لأنفسنا، وكيف خفنا من المجهول، واخترعنا مشاكل افتراضية في حال السماح للمرأة بقيادة السيارة، مما جعلنا لا نستطيع تجاوز قضية بسيطة لم يتوقف عندها أي مجتمع آخر. ويؤكد خلف الحربي في مقاله أنه من حق أي شخص معارضة قيادة المرأة للسيارة ولكن ليس من حقه فرض وجهة نظره على سائر أفراد المجتمع، وبإمكانه أن ينام على الجنب الذي يريحه دون أن يقلق الآخرين، وعليه أن لا ينشغل كثيرا بالحوادث التي يمكن أن تنشأ في حال السماح للمرأة بقيادة السيارة لأننا لسنا في غابة بل في دولة يحكمها القانون، وأن لا يقلق كثيرا من تحرشات الشباب بالنساء اللواتي يقدن السيارات لأنه بهذه الطريقة ينظر إلى شبابنا المسلم الذي تلقى العلوم الشرعية منذ نعومة أظفاره بأنه أكثر سوءا وأقل أدبا من شباب العالم أجمع ! يقول الحربي “تخيلوا أحوالنا لو بقيت قضية تعليم المرأة مطروحة للنقاش مثلما كان الأمر قبل نصف قرن وبقينا نجامل المعارضين ونتجادل معهم حول المشاكل التي يمكن أن تنشأ عن تعليم النساء إلى ما لا نهاية ؟.. دعوا منال الشريف أو أي امرأة أخرى تقود سيارتها بنفسها، تأخذ أولادها إلى المستوصف، تشتري أغراضها من السوبرماركت، تذهب إلى عملها دون حاجة إلى سائق تستقدمه بحر مالها فيهرب منها بعد أيام قليلة، اتركوها تمضي في طريقها مثلها مثل أي سائق آخر، وامنعوا نساءكم من قيادة السيارات كما تشاءون. ويقول خلف الحربي نحن الذين وضعنا العربة أمام الحصان ثم استهلكنا عشرات السنين ونحن نبحث عن الطريقة التي يمكن أن يلتف فيها الحصان حول العربة كي يواصل مسيرته، حتى أصبحت المرأة التي تحمل شهادة الدكتوراة مضطرة لاستئجار سائق آسيوي لم يكن يعرف أي شيء عن السيارات حين كان فلاحا بسيطا في بلاده ولكن دعاء والدته في الحقل جعل منه حلا ذهبيا للمجتمع الحائر !.هل فعلاً نحن مجتمع يتسلى بمناقشة قضاياه إلى ما لا نهاية لأنه يخشى لحظة الحسم، يفضل بعض أفراده البقاء (على طمام المرحوم) فتمر السنوات تلو السنوات ونحن ندور حول النقطة ذاتها وحين نصاب بالصداع الجماعي نتناول أي نوع من المسكنات كي نستطيع مواصلة الدوران العبثي فتظهر في الأفق أصوات مجلجلة لا تجد ما تقوله سوى: (هل انتهت مشاكلنا حتى ندور حول هذه النقطة؟) فيرد عليه صوت آخر: (هل تقترح أن نتجاوزها كي نتوقف عن اللف والدوران ؟) فيصاب الأول بالذعر قائلا: (لا بل ندور وندور كي لا نتجاوزها) !. ضوئية من مقال الحربي: