كشفت الأمطار الغزيرة التي باغتت منطقة عسير وعددًا كبيرًا من محافظاتجنوبالرياض والمنطقة الشرقية عن سوء تنفيذ مشاريع البنية التحتية الخاصة بتصريف مياه الأمطار والسيول. وبينما قدم المطر كل الأدلة والبراهين، وتؤكد أن هناك قصورًا واضحًا في عمل الأجهزة ذات العلاقة بدءًا بالبلديات والأمانات ومديريات المياه يؤدي إلى مثل هذه الكوارث المتكررة، التزمت الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد «نزاهة» الصمت وتوارت خجلاً أمام عين المطر الذي كشف كل شيء. وطالب خبراء ومواطنون استمعت «الوئام» إلى آرائهم بسرعة إنشاء هيئة مستقلة لمتابعة ومراقبة مشاريع تصريف الأمطار، ومحاسبة المسؤولين عن أى تقصير في هذه المشاريع وتقديمه للعدالة لينالوا جزاء إهمالهم، وتسببهم في خسائر مادية للفرد والدولة تقدر بالمليارات، جراء تصدع الطرق والجسور وغرق السيارات فضلاً عن الخسائر البشرية التي لا تقدر بمال، مشيرين إلى أن «نزاهة» تحولت هى الأخرى إلى جهاز بيروقراطي روتيني يكتفي برفع التقارير والتوصيات، ولا يملك جرأة محاسبة الفاسدين والمقصرين ولا يسعفه الوقت لمتابعة تنفيذ كل مشروعات البنية التحتية في كل أرجاء المملكة، فضلاً عن انشغال «نزاهة» وتشعب مهامها في الفترة الأخيرة بعد تغلغل الفساد في معظم الوزارات والهيئات والجهات الحكومية. وبينما نجت مدينة الجبيل الملكية من توابع الأمطار، لتنفيذ بنيتها التحتية ومرافقها بشكل جيد وسليم خالٍ من أي فساد على يد بعض الخبراء الأجانب والعاملين في شركة أرامكو السعودية، كان الوضع معكوسًا تمامًا في الدمام والخبر وعدد كبير من مدن المنطقة الشرقية، كشف فيها المطر عن عورات الأمانات والبلديات وتراخي المسؤولين عنها في صيانة ومتابعة مشروعات تصريف المياه التي لا يخلو أغلبها من بعض الأخطاء الإدارية والهندسية. والشيء نفسه في أبها، فرغم أنها تحتل مرتفعات جبال عسير، ومن المفترض أن تكون أقل تضررًا من مناطق بطون الأودية كانت حال شوارعها وطرقها الرئيسية مأساويًا. كما غرقت الدلم وهي محافظة صغيرة، وعجزت مشاريعها الحديثة عن المقاومة، هذا إن نفذت بشكل سليم. ومع أن أمطار أبهاوالدمام والخبر ومحافظاتجنوبالرياض (الدلم والخرج والأفلاج) كانت كتابًا مفتوحًا يمكن قراءته بسهولة، وعينًا حملت عبء التحري والتحقيق عن «نزاهة» فيما يتعلق بالفساد الذي يشوب عمليات تنفيذ مشاريع تصريف مياه الأمطار، لم يتحرك المسؤلون بها سريعًا ولم تقم فروعها المنتشرة في المناطق المتضررة بإجراء أي تحقيق عاجل، ولم يخبر المسؤولون عنها أحدًا بأي قرار اتخذوه أو إجراء اتبعوه بشأن انهيار العشرات من الطرق، وعدم كفاءة المشاريع التي أنفقت الدولة عليها المليارات ولم يستفد المواطنون منها، لعدم تصميمها وتنفيذها بشكل سليم، إضافة إلى المجاملات أو سياسة "غض الطرف" عند استلامها من الشركات المنفذة ومن مقاولي الباطن. كل هذه الحقائق، كانت سببًا ودافعًا لأن يحتد ويغضب المواطن إبراهيم عسيري وهو يحدث «الوئام» عما تكبده من خسائر فادحة بسبب مياه الأمطار، بعد أن غرقت سيارته وتضررت، نتيجة انهيار عدد كبير من الطرق الجبلية في أبها واقتحامها لشوارع تحولت إلى أودية وعدم صيانة العبارات وعدم صلاحية معظمها للعمل بكفاءة في مثل هذه الظروف الطبيعية. ويحمل المواطن محمد الشهراني المسؤولين عن «نزاهة» مسؤولية الصمت عن الأخطاء الكثيرة في تنفيذ مشروعات البنية التحتية في عسير وخاصة مشاريع تصريف مياه الأمطار والسيول، لافتًا إلى أن هذه المشاريع تحولت وسط غياب المراقبة والمتابعة وعدم تطبيق الشفافية إلى باب خلفي للتكسب. ويتساءل المهندس سعيد الأحمري.. أين دور «نزاهة» وماذا قدمت منذ إنشائها عام 1432ه؟ ويتابع ساخرًا ربما أصبح الصمت عند المطر من أهم واجباتها! ويمضي في تساؤلاته.. ألم ير المسؤولون عنها هذا الانهيار السريع لمشاريع لم يمض على إنشائها وافتتاحها سنوات معدودة، وكبدت ميزانية الدولة مليارات الريالات؟ وماذا ينتظرون حتى يتحركوا للتحقيق في أسباب هذا الانهيار الذي يتضرر منه المواطن والدولة معًا؟ ويواصل الأحمري: سيقول البعض إن مثل هذه كوارث طبيعية ونتائجها معروفة، ولهؤلاء أقول: «لدينا أجهزة لمواجهة تبعات الكوارث ولكنها لا تعمل بكفاءة، ولا تقوم بواجباتها المنوطة بها عند استلام المشروعات وخاصة الطرق والجسور والأنفاق»، ضاربًا مثلاً بإغلاق طريق (أبها الخميس) رغم حداثة وتجديد عباراته وأنفاقه؟! ويطالب عائض القرني (موظف) بإعادة فتح ملفات مشروعات البنية التحتية في المناطق المتضررة من الأمطار، للتأكد من حجم الأموال التي أنفقت عليها، وطريقة التنفيذ والتسليم، مضيفًا بقوله «عندها سيتبين للجميع إلى أى مدى غاب ضمير بعض المسؤولين، وإلى أي مدى كانت المجاملات والإهمال والفساد حقائق مخفية، تنتظر فزعة من رجال "نزاهة" الذين فوضتهم الدولة لاقتحام مواقع الفساد وتقديم المقصرين للمحاكمة والحساب». ولايبدو محمد الغامدى متفائلاً كثيرًا بتقارير وتوصيات «نزاهة» مستندًا في ذلك إلى عدم تنفيذ وتطبيق ما تم اتخاذه من قرارات وإجراءات بشأن حجم الضرر الذي وقع على المواطنين في السنوات الماضية جراء عدم كفاءة مشاريع مواجهة آثار المطر وتنفيذ الطرق دون الالتزام بالمواصفات والمعايير الهندسية العالمية. ويضيف، في كل عام يتكرر هذا الأمر، ونسمع ضجيجًا ولا نرى طحنًا، وكأن انهيار جسور وطرق حديثة تكلفت المليارات وانهارت سريعًا لا يعني الأجهزة الرقابية في شيء ولا يلفت انتباه المسؤولين بها إلى أن هناك شيئًا خطأً يحدث في التنفيذ والصيانة والمتابعة ويستحق أن يحاسب المسؤولون عن هذا الخطأ. ويتابع الكارثة أن المشكلة لا تقتصر على مدينة واحدة، لكنها تكاد تكون لافتة رئيسية في كل المناطق، ويبدو أن المسؤولين لم يستوعبوا بعد دروس المطر والسيول، فرغم أن موعد سقوطه لم يعد صعبًا بفعل الأجهزة الحديثة وتقارير الأرصاد الجوية، لا يتحرك المسؤولون إلا في الوقت الضائع وبعد حدوث الكارثة. ويعيد نايف البقمي (معلم) الأذهان إلى سيولجدة عام 2009، التي خلفت أضرارًا جسيمة وفادحة، ويقول: انتفض الإعلام وتحرك المسؤولون من هنا وهناك، وأجريت التحقيقات، وتم فتح ملف مشاريع تصريف السيول والأمطار، ومع ذلك تكررت الأضرار والمآسي في الأعوام اللاحقة، ومازالت تتكرر في مختلف المناطق، وكأن المسؤولين يفاجأون بمواسم الأمطار التي صارت معروفة للجميع بسبب ما يجري في منطقة الجزيرة العربية من تغير مناخي، جعل المطر يهطل بغزارة على مدن ومناطق كانت تنتظره بفارغ الصبر. وينهي البقمي حديثه ل«الوئام» بأسئلة مستحقة يوجهها إلى المسؤولين عن «نزاهة» وفروعها المناطقية: لماذا أصبح البعض يتخوف من هطول المطر في بلادنا ؟ وإلى متى يستمر نزيف المال العام المهدر في مشروعات كبرى لا يستفيد منها السعوديون بالشكل الأمثل بل تعرضهم للخطر والهلاك؟ ولماذا لا تكون «نزاهة» أكثر سرعة في كشف ومحاسبة المتسببن في هذا الخطر؟ ويؤكد بندر الذبياني وهو مختص في الطقس، أن معظم مناطق المملكة ستشهد مواسم ممطرة ومختلفة عما قبل، وهو ما يحتم على أجهزة الأمانات أن تكون جاهزة ومستعدة دائمًا للتطورات غير المتوقعة للمطر والتغير المناخي، ويجب أن تنزل إلى أرض الواقع لمتابعة المشاريع والجسور والأنفاق، مطالبًا الأجهزة والهيئات الرقابية وفي مقدمتها «نزاهة» بأن تكون أكثر فاعلية وحضورًا لمتابعة هذه المشاريع ومحاسبة أي مسئول أو موظف يثبت تقصيره أو فساده وغياب ضميره عند تنفيذ واستلام هذه المشروعات، فوقوفه خلف القضبان وتقديمه لمحاكمة عاجلة وعادلة سيكون عبرة لغيره ممن يستهترون بأرواح الناس، ويكونون سببًا رئيسيًا في إهدار أموال الدولة. يذكر أن الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد أنشئت في 13 – 4 -1432ه، بهدف حماية النزاهة، وتعزيز مبدأ الشفافية، ومكافحة الفساد المالي والإداري بشتى صوره ومظاهره وأساليبه، ولها في سبيل تحقيق ذلك العديد من الاختصاصات من بينها: متابعة تنفيذ الأوامر والتعليمات المتعلقة بالشأن العام ومصالح المواطنين بما يضمن الالتزام بها، والتحري عن أوجه الفساد المالي والإداري في عقود الأشغال العامة وعقود التشغيل والصيانة وغيرها من العقود المتعلقة بالشأن العام ومصالح المواطنين واتخاذ الإجراءات النظامية اللازمة في شأن أي عقد يتبين أنه ينطوي على فساد أو أنه أبرم أو يجري تنفيذه بالمخالفة لأحكام الأنظمة واللوائح النافذة. ومن اختصاصاتها أيضًا إحالة المخالفات والتجاوزات المتعلقة بالفساد المالي والإداري عند اكتشافها إلى الجهات الرقابية أو جهات التحقيق بحسب الأحوال، مع إبلاغ رئيس الهيئة – التي يتبعها الموظف المخالف – بذلك، ويحق للهيئة الاطلاع على مجريات التحقيق ومتابعة سير الإجراءات في هذا الشأن، ولها أن تطلب من الجهات المعنية اتخاذ التدابير الاحترازية أو التحفظية – وفقًا لما يقضي به النظام – في شأن من توافرت أدلة أو قرائن على ارتكابه أفعالاً تدخل في مفهوم الفساد. وفي جميع الأحوال، إذا رأت الهيئة أن تلك المخالفات والتجاوزات تمثل بعدًا مؤسسيًا لأي من الجهات المشمولة باختصاصات الهيئة، فعليها رفع الأمر إلى الملك لاتخاذ ما يراه. إضافة إلى العمل مع الجهات المعنية ومؤسسات المجتمع المدني على تنمية الشعور بالمواطنة وبأهمية حماية المال العام والمرافق والممتلكات العامة، بما يحقق حسن إدارتها والمحافظة عليها والعمل على تحقيق الأهداف الواردة في الاستراتيجية الوطنية لحماية النزاهة ومكافحة الفساد، ومتابعة تنفيذها مع الجهات المعنية، ورصد نتائجها وتقويمها ومراجعتها، ووضع برامج عملها وآليات تطبيقها وكذلك متابعة استرداد الأموال والعائدات الناتجة من جرائم الفساد مع الجهات المختصة.