يكتب إنسان الباحة على أرض الجنادرية أبجدية حكايته مع الماضي بوعي حين يقتنص من الماضي لحظات معينة يجسدها في زوايا البيت بهدوء وحينها يشعر إنسان هذا الجزء من خريطة الوطن أنه يستعرض ذاته وتراثه أمام نفسه والآخرين. هنا تنشأ منافسة شريفة بين الأجنحة على إرضاء ذائقة جماهيرية متصاعدة للجنادرية . وفي زوايا بيت الباحة أشياء كثيرة تؤكد الإصرار الظاهر على المحافظة على جماهيرية البيت وحقن وجدان الجمهور المتعطش للفرح بعناوين جديدة وأهتمام لاينتهي بجعله يعيش الأجواء التراثية عبر تفاصيل متعددة وكثيرة معبأة بالعمق فيما تحكي تفاصيلها الوعي. ويواصل البيت خطواته الواثقة لاستحضار الماضي ممعنًا في إدهاش الزائر بتفاصيل الماضي البعيد. في أحد أركانه تم بناء مقهى صغير على شكل عريش من الخوص تتناثر بين أرجائه كراسي خشبية وجلسات هادئة تظللها اضواء خافتة تنبعث من فوانيس تراثية تتوزع في أرجاء المقهى والمحاولة تبدو جادة وبارعة لإشعار الزائر بعبق الماضي وتحولت لوحة ترسم قصة زمن تتشكل حكايته مع رشفة رائقة من براد شاي تراثي يعرف ب(الملبس) تنبعث منه رائحة الشاي بالنعناع أو الحبق أو البردقوش المعروف ب(إكليل الجبل) حيث تمنح تلك النباتات الشاي مذاقًا حلوًا في اللسان. أو من خلال دلة القهوة العربية المهيلة والتي طحنت حباتها من (البن الشدوي) فيما يحيط بجلسة الشاي صوت السواني وصرير المحالة وخرير الماء المنساب من الغرب عبر الساقية لتنساب حكايات الماضي مع انسياب الماء المستخرج من البئر المجاورة والذي لايبعد سوى أمتار قليلة عن المقهى فيما يأتي صوت المطارق والفؤوس وتكسير الحصى وأهازيج البنائين من ركن البناء (أربعة شالوا الجمل والجمل ماشالهم) وإخوة (ابن ياباني) لتعيد سيمفونية جليلة شكلت في الزمن القديم لحظة فارقة لالتقاط الأنفاس من تعب يوم شاق. هذه الطقوس التي تم إنتاجها ببراعة تؤكد وعي القائمين على بيت الباحة بالماضي وغوصهم في أقاصي الذاكرة لاقتناص لحظة مكتملة وتؤكد الحرص على تقديمها بكامل طقسيتها ودون اجتزاء وفي ثوب تفاصيل ملهمة وهو ماتؤكده في هذه التوليفة للحظة شرب الشاي أو القهوة فيما الزوار يتقاطرون يوميًا نحو هذا الركن للاستمتاع بالشأن وأجواء هذا المقهى التراثي الجميل.