«إن هذا المهرجان معلم إشعاع ثقافي سعودي يجمع أبناء الوطن ومناطقه بتنوع تراثها وفنونها في صورة حضارية تعزز قيم الارتباط والوطنية والانتماء»، هكذا حدد خادم الحرمين لشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، أهمية مهرجان الجنادرية، للتراث، مؤكدا أن «الحفاظ على هويتنا العربية والإسلامية وتراثنا وثقافتنا وأصالتنا من أوجب واجباتنا». وانطلاقًا من أهمية هذه المناسبة الثقافية والفكرية والإبداعية التي تتلاقى فيها الأفكار وتذوب فيها المسافات ويتحقق من خلالها التعارف بين الشعوب والقبائل، وعملاً بالرسالة التي يحملها «الجنادرية» من داخل المملكة إلى العالم.. تطرح «الوئام» الفكرة والسؤال. لماذا لا يتحول هذا العرس الثقافى الحضاري والتراثي والإنساني إلى مهرجان ممتد لأسابيع أو شهور للاستفادة من هذا الزخم الثقافي السعودي والعربي والعالمي، في صناعة نوع جديد من السياحة الثقافية، يمنح من خلالها الشعب السعودي فرصة التعارف على فكر وثقافة ضيوف المهرجان والاستفادة من آرائهم وتجاربهم الإبداعية بشكل أفضل؟ وفوق هذا وذاك تفادي الزحام، والاستفادة من مقومات ومناخ المكان حيث تكون الجنادرية بكل دفئها وجمالها المكان المفضل في فصل الشتاء . الفكرة رحب بها عدد كبير ممن التقتهم «الوئام» على هامش مهرجان هذا العام، سواء كانوا مثقفين، ومفكرين أو مشاركين في العروض، والندوات واللقاءات، وطالبوا بتطبيقها مع مهرجان العام المقبل حتى تكون الاستفادة بشكل أفضل للجميع . وقال عشاق الجنادرية ل«الوئام» نتمنى تمديد فترة المهرجان لأسابيع بدلاً من حصرها فى أسبوعين، مشيرين إلى المهرجانات العالمية التي تستمر لاسابيع و لأشهر وتحقق رواجًا سياحيًا وثقافيًا كبيرًا . وأضاف العشاق «وإذا كانت مكانة كل أمة تقاس بمقدار اعتزازها بقيمها وهويتها، فإن السعوديين والعرب لن يجدوا مناسبة مثل هذا المهرجان ليقضوا به فترة أطول تمتد لأسابيع وشهور، احتفاءً واعتزازًا بقيمهم وهويتهم وجذورهم الأصيلة والضاربة فى أعماق التاريخ» . ومضوا موضحين: كلما طالت أيام العرس، تمكن المشاركون من تحقيق أهدافهم وتوصييل رسائلهم الإبداعية للضيوف سواء كانوا من الداخل أو الخارج، وفى المقابل تكون الفرصة مواتية بشكل أكبر لكي يتمكن القادمون من الخارج من معرفة المملكة عن قرب والتعايش مع كل فنون وأصول التراث الثقافى السعودي، بدلاً من حصرهم فى أيام معدودات، لا يتمكنون خلالها، ولضيق الوقت من سبر أغوار القيمة الحضارية التى تختزنها أروقة الجنادرية، حيث يتحد الإبداع في الإنسان والمكان . وإذا كان المهرجان يحظى باهتمام الجامعات السعودية وغيره من المؤسسات التربوية والتعليمية والثقافية، فإنه مع امتداده لشهور أو أسابيع سيجذب مؤسسات وقلاعًا أخرى سعودية أو غير سعودية للمشاركة والاهتمام كونه المهرجان الثقافى الأوحد القادر على جمع مثقفين من مختلفي الأجناس في مكان واحد ولمدة زمنية محدودة. ويرى هؤلاء المؤيدون للفكرة،أنه مع تمديد مدة المهرجان ستتمكن الثقافة التقليدية عبر الندوات والحورات والنقاشات من أن تتجاوز الأطر الضيقة للمفاهيم لتعبر نحو ثقافة عالمية تسهم فى إزالة الكثير من الأزمات والخلافات السياسية بين الشعوب، وهو أحد أهم أهداف الجنادرية الذي يعتقد البعض خطأ أنه مجرد مجموعة من الملابس والمقتنيات البدوية والحرف التراثية يتم عرضها أو الاحتفاء بها كجزء من الحفاظ على القديم بكل ما يحمله من بساطة الجذور. إن استمرار الجنادرية لمدة أطول، سيزيد من أهميته كجسر ثقافي، وأداة يتم من خلالها رأب الصدع وترميم شروخ البيت العربي، والتأسيس لثقافة تراثية عربية مشتركة بعيدة عن الخطابات النخبوية النظرية والأكاديمية التقليدية، تصنع من الشعوب العربية حوائط صد وموانع قوية ضد أي محاولات اختراق خارجية، تستهدف إسقاط أو إزالة المعالم الأساسية لجذور حضارتنا العربية والإسلامية. ويستمد المهرجان الوطني للتراث والثقافة، اسمه العريق من منطقة الجنادرية، التي تقع على مسافة 45 كم من الشمال الشرقي للعاصمة الرياض، وكانت تُسمى قديمًا بروضة سويس، وهي من الروضات الملحقة بوادي السُّلَي، وتعنى فى اللغة إعادة الشيء لرونقه وجماله، وذكرها الهمذاني وغيره من المؤلفين الذين كتبوا عن المنازل والديار في اليمامة، وكان أهل الرياض يقصدون الجنادرية بعد نزول الأمطار وظهور النبات والأزهار في الربيع. وانطلق منها ولأول مرة المهرجان عام 1395ه (1975 م) في عهد الملك فهد بن عبد العزيز، يرحمه الله، بسباق الهِجْن الكبير، ولقي نجاحًا ملحوظًا حتى تحول إلى مهرجان ثقافي عام 1405ه، تحت إشراف الحرس الوطني السعودي، ومنذ ذلك التحول وهو يعقد بشكل دوري سنويا، وتشارك فيه كوكبة من المثقفين والمفكرين العرب والمسلمين من شتى أنحاء العالم، وبات ذكرنا بسوق عكاظ الذي كان يتنافس فيه عمالقة الشعر والفكر العربى قديمًا، وتبلغ مساحة المنشآت بالقرية التراثية نحو 6 كيلو مترات تقريبا. وأصبح للمهرجان عدة أهداف من أهمها: إظهار الوجه الحضاري والتراثى المشرف للمملكة، والتأكيد على أهمية إحياء التراث وعلى العلاقة التبادلية بينه وبين النمو الثقافي، فكلاهما يؤثر في الآخر، بالإضافة إلى إتاحة الفرصة أمام الشباب السعودي لمعرفة المزيد عن أصالتهم من خلال عدة أنشطة، يتلاقى خلالها الأدب الشعبي والفن التشكيلي، والحرف التقليدية في مكان واحد يرصد كل تفاصيل تاريخنا وإبداعنا الإنساني . ويشتمل الجنادرية على قرية تراثية وأسواق شعبية تحتفي بالحرف والصناعات القديمة مثل الخوص والفخار والجلد والخشب، إضافة إلى الأكلات والرقصات والألعاب الشعبية، وبعض العادات والتقاليد مثل زفة العريس ورحلة الجمال وغيرها من مظاهر الحياة السعودية القديمة . ويشتمل المهرجان أيضًا على سباقات للهجن والفروسية، وندوات شعرية ودينية، ولا يقتصر على عرض التراث السعودي فقط، بل يضم أجنحةً لدول الخليج العربي تعرض هي الأخرى ما يعرّف بتاريخها وثقافتها. وفي كل عام تخصص الدولة ضيف شرف للمهرجان، يخصص لها جناحٌ يعرّف بتاريخها وتنوعها الثقافي وغالبا ما ينطلق المهرجان باوبريت غنائي، وكان أوله عام 1408، ومدته لم تزد على45 دقيقة تحت عنوان «مملكتنا دام عزك» من كلمات حامد الحامد وألحان فلكلورية طورها الحامد نفسه، وغناء الفنان راشد الماجد الذي فاز بلقب أول فنان يغني في الجنادرية. وفي عام 1409ه أنتج المهرجان أول عمل (خاص) بعد تكليف صاحب السمو الملكي الأمير بدر بن عبد المحسن بكتابة نص نشيد «عز الوطن» وضع له اللحن وأداه الفنان الراحل طلال مداح مصحوباً برقصاتٍ شعبية من مناطق المملكة وكانت مدته لم تتجاوز السبع دقائق، ردد خلالها الحضور والمشاركون : الله الأول وعزك يا لوطن ثاني .. لأهل الجزيرة سلام وللملك طاعة.. حنا جنود الحرس للقايد الباني.. رمحه ودرعه وكف الشيخ وذراعه. وفي عام 1410ه (الدورة السادسة للمهرجان) شهدت المملكة والعالم أول أوبريت وطني استعراضي من إنتاج الحرس الوطني كتبه الأمير سعود بن عبد الله ولحنه الفنان محمد شفيق وأداه الفنانان طلال مداح ومحمد عبده ومدته 45 دقيقة، وكان أول عمل وطني في تاريخ المملكة يأخذ مفهوم الأوبريت، الذي أصبح مطلبًا فنيًا وشعبيًا لا يستغنى عنه المهرجان سنويًا. ولن ينسى العالم، أوبريت «وقفة صادقة» الذي شهده المهرجان عام 1412ه، إبان احتلال العراق لدولة الكويت، وكان الأمير بدر بن عبد المحسن فارساً لكلمات هذا الأوبريت الذي لحنه الفنان محمد شفيق وأخرجه مسرحياً عبد الله الجار الله وتلفزيونياً ناصر الصقية وسعد الوثلان.. وتوالت بعد ذلك الأوبريتات والعروض الفلكولورية التي تحكي بأعذب الكلمات وأروع المقطوعات الموسيقية قصة وطن يحتفي بقيمه ولا يفرط في تراثه، مهما تقلبت الأيام وتبدلت السنوات وتوالت العهود.