ترحب الأسواق بالتقدم الذي أحرزته السعودية في خفض عجز الموازنة الحكومية الهائل لكن تفاصيل الخطط المالية للمملكة تظهر أنها ستظل رهينة لتقلبات أسعار النفط لعدة سنوات. وهبطت تكلفة التأمين على الديون السيادية السعودية من مخاطر التخلف عن السداد هذا الأسبوع لأدنى مستوياتها منذ سبتمبر 2015. وتنخفض أسعار الفائدة بسوق النقد السعودي مما يشير إلى أن المصرفيين يعتقدون أن تمويل العجز سيشكل عبئا أقل هذا العام. ويكمن الإعلان عن الميزانية الحكومية لعام 2017 أواخر الشهر الماضي وراء تلك التحركات. كانت الرياض قالت إنها خفضت العجز من مستواه القياسي البالغ 367 مليار ريال (98 مليار دولار) في 2015 إلى 297 مليار ريال في 2016 وتوقعت عجزا بقيمة 198 مليار ريال هذا العام. هذه الأرقام بجانب الخطط التقشفية التي وضعتها الرياض للأعوام القليلة القادمة تسمح للسلطات بالقول إنها تتجه صوب القضاء على العجز بحلول عام 2020 حتى في ظل أسعار النفط المنخفضة حاليا. وقال البنك الأهلي التجاري في تقرير عن الميزانية "قياس مخاطر الاقتصاد الكلي عبر مستوى الدين ومدى كفاية الاحتياطيات والاستقرار المالي يكشف أن السعودية مستعدة جيدا لمواجهة الصدمات المحتملة في المستقبل". لكن تفاصيل إعلان ميزانية الرياض يشير إلى أنها ستظل عرضة للمخاطر. واستبعد عجز ميزانية العام الماضي البالغ 297 مليار ريال مبلغا قدره 105 مليارات ريال أنفق في 2016 لتسوية ديون من العام السابق. وإذا وضع هذا الرقم في الاعتبار فإن العجز يكون قد تفاقم العام الماضي. وكان وزير المالية محمد الجدعان قال إن الحكومة قامت في الوقت الحالي بتسوية جميع المتأخرات وإنها ملتزمة في المستقبل بالسداد لجميع الدائنين في غضون 60 يوما من تاريخ استحقاق الدين. لكن هذا التعهد لم يبدد كليا على مخاطر مزيد من المفاجآت غير السارة في السنوات المقبلة والتي قد تستنزف خزائن الدولة حتى في الوقت الذي تصر فيه الحكومة على أن العجز يتراجع. فعلى سبيل المثال قد تتولد تكلفة مرتبطة بإغلاق أو تحويل مشاريع متوقفة جرى تدشينها في السنوات الماضية. ومن المجالات الأخرى الباعثة على القلق إلى أي مدى يمكن للرياض أن تزيد الإيرادات غير النفطية لتكون أقل انكشافا على تقلبات أسعار النفط. وارتفعت الإيرادات غير النفطية 33.1 مليار ريال العام الماضي إلى 199 مليار ريال. لكن كل تلك الزيادة ترجع إلى عنصرين لا يبدو أنهما مرتبطان بإصلاحات تزيد القاعدة الثابتة للإيرادات هما عوائد البنك المركزي التي ارتفعت 76 % إلى 62.2 مليار ريال و "عوائد من مصادر أخرى" غير محددة بلغت إجمالا 15 مليار ريال مقابل 0 في 2015. وتتوقع الحكومة هذا العام أن يقفز إجمالي الإيرادات 164 مليار ريال إلى 692 مليارا لكن 92 % من تلك الزيادة سيأتي من ارتفاع الإيرادات النفطية. وسيتحقق جزء بسيط من ارتفاع الإيرادات النفطية نحو 25 مليار ريال وفق ما تظهره وثيقة رسمية من إجراء المزيد من التخفيضات على الدعم الحكومي لأسعار البنزين والكهرباء في وقت لاحق هذا العام. يعني هذا أن عائد صادرات النفط بحاجة أن يزيد أكثر من 35 % ليبلغ الإيرادات المستهدفة في 2017. لكن حتى لو تضمن ذلك ارتفاع الصادرات السعودية من المنتجات النفطية المكررة فإن هذا قد يكون أمرا صعبا. فعند 55 دولارا للبرميل يكون سعر خام برنت مرتفعا 22 % فقط عن متوسط سعره العام الماضي بينما يلزم اتفاق عالمي للمنتجين السعودية بخفض إنتاجها النفطي نحو 5 %. وقالت مونيكا مالك كبيرة الخبراء الاقتصاديين لدى بنك أبوظبي التجاري "نعتقد أن تقديرات الإيرادات النفطية في ميزانية 2017 متفائلة .. هناك حاجة إلى زيادات إضافية في أسعار النفط كي تحقق السعودية أهدافها المالية في المدى المتوسط". وتخطط الرياض لسلسلة من الخطوات لزيادة الإيرادات اعتبارا من عام 2018. وستدر إصلاحات تشمل زيادة أسعار الطاقة والمياه 142 مليار ريال سنويا بحلول 2020 وسيجمع فرض ضرائب ورسوم جديدة بما في ذلك ضريبة القيمة المضافة 110 مليارات ريال. لكن هذه الأرقام تشير إلى أن الإيرادات غير النفطية المتكررة في 2020 باستثناء العناصر غير المتكررة مثل عوائد الخصخصة ستظل أقل بكثير من الإيرادات النفطية مما يعرض الرياض لمخاطر إذا ثبتت أسعار النفط أو انخفضت. وقال فابيو اسكاتشيافيلاني كبير الاقتصاديين لدى الصندوق العماني للاستثمار "المتغير الذي سيحدد الناتج الفعلي على الأمد المتوسط هو سعر النفط .. التعافي يحدث لكن استمراره قد لا يكون أمرا سهلا".