نجحت السعودية في خفض العجز الكبير في موازنتها الناجم عن هبوط أسعار النفط وستزيد الإنفاق الحكومي في 2017 لدعم النمو الاقتصادي، وسيبث هذا الإعلان الطمأنينة في قلوب المستثمرين العالميين القلقين من قدرة السعودية على التأقلم مع تقلص الإيرادات النفطية. وتعرض الريال لضغوط ناتجة عن المضاربة هذا العام غير أن المخاوف المرتبطة بالعملة هدأت في الأشهر الأخيرة. وقال جيسون توفي الخبير الاقتصادي المعني بمنطقة الشرق الأوسط لدى مؤسسة كابيتال ايكونوميكس ومقرها لندن: «لم تشهد المالية العامة مثل هذا التحسن منذ مطلع التسعينات عقب انتهاء حرب الخليج». وانخفض العجز إلى 297 بليون ريال (79 بليون دولار) في 2016 من مستواه القياسي في 2015 البالغ 367 بليون ريال، الذي كان يعادل 15 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. وكانت التقديرات في خطة الموازنة الأصلية لعام 2016 تشير إلى عجز قدره 326 بليون ريال. وقلصت الرياض الإنفاق على البنية التحتية ومزايا الموظفين الحكوميين للسيطرة على ماليتها العامة. وللمرة الأولى في سنوات أبقت المملكة إنفاقها دون تقديراتها الأصلية للموازنة في 2016، إذ بلغ الإنفاق الفعلي 825 بليون ريال مقارنة مع تقديرات أولية لإنفاق قدره 840 بليون ريال. وجاءت الإيرادات أعلى قليلاً من المتوقع، إذ بلغت 528 بليون ريال بدلا من 514 بليون في الوقت الذي جمعت فيه الحكومة سيولة باتخاذها خطوات من بينها رفع رسوم التأشيرات وخدمات البلديات. وقالت الحكومة إن النمو الاقتصادي تباطأ إلى 1.4 في المئة في 2016 ليقل كثيراً عن متوسطه البالغ 4 في المئة في السنوات العشر الماضية. وتسهم خطة موازنة 2017 في تسارع النمو، فالرياض تخطط لزيادة الإنفاق إلى 890 بليون ريال من 840 بليون في التقديرات الأولية لعام 2016، وسيرتفع الإنفاق على البنية التحتية بنسبة 69 في المئة. وستشهد الأسعار المحلية للوقود والكهرباء زيادات غير محددة في 2017، بينما تعكف الحكومة على تخفيف عبء الدعم عن كاهلها، لكنها لن ترفع أسعار الغاز اللقيم قبل 2019 لتحمي قطاع البتروكيماويات. وتعتزم الحكومة تبني نظام للدعم النقدي المباشر للمواطنين الفقراء بهدف تعويضهم عن تأثير إجراءات التقشف. وفي الوقت نفسه توقعت الحكومة أن يساعدها ارتفاع أسعار النفط والإيرادات غير النفطية في مواصلة خفض العجز في العام المقبل ليصل إلى 198 بليون ريال أو ما يعادل 7.7 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. غير أن بعض الشكوك لا تزال تحوم حول المالية العامة، فالموازنة تتوقع ارتفاع الإيرادات النفطية بنسبة 46 بالمئة إلى 480 بليون ريال العام المقبل مدعومة بالاتفاق مع منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك)، إذ بدأ سعر خام برنت في الارتفاع وتجاوز 55 دولاراً للبرميل بزيادة 25 في المئة عن متوسطه في 2016. وقال وزير الطاقة والصناعة والثروة المعدنية خالد الفالح إن المملكة استندت في موازنة 2017 إلى سيناريو «متحفظ» لأسعار النفط. وقال مسؤولون آخرون إن ارتفاع أسعار الطاقة المحلية سيسهم في تعزيز الإيرادات النفطية. وتسعى السعودية لتحقيق التوازن في الموازنة بحلول 2020، ومن المقرر تطبيق ضريبة للقيمة المضافة نسبتها 5 في المئة في 2018 وهو ما قد يؤثر في إنفاق المستهلكين. وقال ناصر السعيدي رئيس شركة ناصر السعيدي وشركاه للخدمات الاستشارية في دبي: «مزيج خفض الإنفاق والضرائب الجديدة وتقليص الهدر وخطط الخصخصة وغيرها من الممكن أن يسمح للسعودية بالتخلص من عجز الموازنة بحلول 2020. على رغم ذلك سيتطلب هذا خفض العجز بنحو 2 أو 3 في المئة (من الناتج المحلي الإجمالي) سنوياً، وهو ما ينذر بأن يؤدي إلى ركود».