لكأنه أمر "مدبر"، حين استبسل رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد (سابقا) الدكتور محمد الشريف لتبرئة ساحة جهازه، وإلقاء اللائمة على أجهزة أخرى، بينما رد الصاع الأكاديمي في "جامعة الإمام" الدكتور ناصر البراق، الذي ذكر الشريف بأنه كان مرتبطا مباشرة بالملك مما يعطيه بسطة في الصلاحيات ويطلق يده في مكافحة الفساد. جاء ذلك في ندوة عن "النزاهة" نظمتها أخيراً جامعة الطائف، وجمعت بين الرجلين، في سياق برنامج "قدوات" الذي أطلقه أمير منطقة مكةالمكرمة هذا الموسم، ويشارك فيه نجوم المجتمع وجهاته والمسؤولون، أملاً في أن يمنحوا الشباب قدوة حسنة ومثلاً يحتذى. وفي وقت برر فيه الشريف قصور عمل الهيئة برفض وزارة العدل تزويد الهيئة بالأحكام المتصلة بالفاسدين للتشهير بهم، رفض البراق بلطف ذلك المبرر، وتساءل عما يمنع الهيئة أن تتوسع فيما سوى ذلك من مثل المبادرات الإبداعية والإعلامية التي تؤثر على المدى البعيد في إرساء قيم النزاهة بين الأجيال، خصوصاً في مجالات الرواية والقصة القصيرة. وناقش البراق العلاقة بين النزاهة والمثقف، حسب المحور المسند إليه في الندوة، وقال "المثقف في التجربة العربية والسعودية ضمنها بلا شك، أشبه ما يكون بالجدار القصير الذي تعلق عليه كل عيوب وآثام الواقع، بل حين تقع كارثة طبيعية أو تحول سياسي يجتاح الدول، يقال أين دور المثقف؟ لكأن لديه ترياقاً أو مصلاً، أو له عصا سحرية، وبينه وبين الخطوب نسباً وصهراً. حدث ذلك مرات عدة، بعد الثورات العربية. والإرهاب، حتى إن كثيرين نقموا وهجوا مثقفاً سورياً مثل أدونيس، وتحدثوا عن خيانة آخر، وبعده عن النزاهة مثل بثينة شعبان، المثقفة التي يستشيرها النظام. فهل المثقف نزيه حقا"؟ ومن دون أن يجيب اعتمد على ذكاء الحضور والقراء الذين يعرفون خبايا المثقفين العرب على مر الأجيال، والسعوديين منهم خصوصاً، وما يتردد بين الحين والآخر، من تهم بينهم ومعارك وتخوين، وسجال، لكن ذلك لم يدفعه إلى الاعتقاد بأن دورهم سلبياً، إذ يرى أن الصحافة والابداع بوصفهما عماد ما يملكه المثقفون يمكنهما أن تدعما بقوة رسالة مكافحة الفساد، إذا بادرت الهيئة وأحسنت توظيف إمكانات الصحافيين والمبدعين، في مثل مجالات، الصحافة الاستقصائية، التي نشأت في الغرب أول ما نشأت أصلاً لمكافحة الفساد، ودعم الشفافية ومناخها المضاد لفايروس الفساد. وتساءل ".كيف يدعم المثقف النزاهة، وهيئة مكافحة الفساد؟" فأجاب، بأن ذلك ممكن عبر "إنتاج خطاب ثقافي سمعي وبصري يؤصل قيم النزاهة ويعلي من شأنها، خصوصاً من المؤثرين، مقرونة بأفعال، و"قدوات" للجيل الصاعد، إلى جانب التدريب على الأخلاق المهنية، وكلها تعزز قيم النزاهة، في النقل، والتصوير، والخصوصية، والأيديولوجيا، إضافة إلى تشجيع الأعمال الأدبية والفنية والثقافية، ذات المضمون المكافح للفساد"، داعياً في هذا السياق إلى تخصيص جائزة سنوية، لأفضل مقال وتحقيق وقصة ورواية تجعل حرب الفساد موضوعها. بينما خلص الشريف الذي جرب كواليس الفساد إلى أن «نظام عدم التشهير أو تمكين هيئة الفساد من الحصول على صور من الأحكام القطعية للمحكوم عليهم من المحاكم يخضع لنظام قديم قبل تشكيل الهيئة ولم يتم تحديثه وهو القرار الذي تستند عليه وزارة العدل أنه لا تزوّد بأحكامها القطعية في قضايا فساد سوى جهات معيّنة»، لافتا إلى أن أبرز مقومات القضاء على الفساد هو التشهير بهم. مؤكدا أن الهيئة في عهده طالبت مرارا وتكرارا بصرف القاضي النظر عن قضايا التشهير، وأهمية تمكينها من اتخاذ عقوبات جزائية مباشرة ضد الجهات الحكومية التي لا تتجاوب مع طلباتها وهو ما يستلزم أيضا إقرارا حكوميا يدعم أنظمتها ويحارب الفساد الإداري والمالي في تلك الجهات.