انتهت جولة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز لأربع دول خليجية، ولكن لم تنته بعد آثار، وردود أفعال هذه الزيارة التاريخية التي أعادت ترتيب العلاقات داخل البيت الخليجي، بالحكمة والخبرة، والثقة الكبيرة التي يوليها قادة وزعماء الخليج لشقيقهم الأكبر سلمان. ويبدو أن شعوب دول مجلس التعاون كانت متعطشة لهذه الزيارة، التي بدأت من أبو ظبي مرورًا بقطر، فالبحرين، ثم الكويت. وكانت مظاهر الاستقبال الحافل رسميًا وشعبيًا أقوى دليل على ثقتهم الشديدة برجل المواقف الصعبة القادر دائمًا على إعادة الُلٌحمة الخليجية إلى قوتها ومتانتها، وسط هذه الظروف الملتهبة عالميًا وإقليميًا. وكما توقع المراقبون، تمكن الملك سلمان – خلال سبعة أيام فقط – من تحقيق نتائج إيجابية كبيرة سياسيًا وأمنيًا واقتصاديًا، يأتي في مقدمتها التأكيد على الدور المحوري للمملكة العربية السعودية في قيادة مجلس التعاون، وقدرتها على التدخل في الوقت المناسب لحماية أمن دول وشعوب الخليج من الأطماع الإيرانية، ومن أذناب وحلفاء النظام الفارسي، وكذلك قوى الشر والذين يحاولون اختراق المنطقة، وزعزعة أمنها واستقرارها وتمزيق وحدتها بسيف المذهبية والطائفية. فالجولة جاءت لتقطع الطريق أمام السموم والمكائد القادمة من (قم) ومن (المرجعية الخامنئية) التي مازالت تصر على تصدير الثورة إلى دول الخليج عبر ميلشيات إجرامية ومنظمات إرهابية تتلقى تعليماتها رأسًا من الحرس الثوري الإيراني ومن نظام "الملالي"، الذي يحظى حاليًا بدعم سياسي وعسكري مباشر وغير مباشر من روسيا، التي تحرص بدورها ضمن لعبة المصالح الدولية على عدم ترك الولاياتالمتحدةالأمريكية تشكل الشرق الأوسط الجديد وتلعب وحدها في المنطقة. ويرى مختصون في الشأن الخليجي أن تزامن الجولة مع القمة الخليجية (37) بالبحرين، يمثل درسًا مهمًا ودليلًا قويًا على إصرار الملك سلمان على مواجهة الخطر الفارسي الزاحف إلى اليمن وجنوب المملكة، وأنه مهما كانت تكلفة هذه الحرب ضد الحوثيين بشريًا وماديًا فلا مناص منها، وهو ما أكدته قمة المنامة التي عقدت في مرحلة حساسة جدًا واتخذت عدة توصيات وقرارات مهمة تعزز ثقة كل قيادات دول المجلس (ملوكًا وأمراءً) في القيادة السعودية، وتأييدهم المطلق لها. هذا التأييد الرسمي انعكس واقعيًا في شكل استقبال مشرف وحفاوة بالغة، زادت من أواصر الإخوة، وعلاقات اللغة والدم والمصير المشترك، ووجد الملك نفسه يرقص العرضة السعودية مع أشقائه قادة الخليج، الذين قلدوه أيضًا أرفع الأوسمة وأعلى القلادات تقديرًا لجهوده ومكانته حفظه الله. معلنين جميعًا "أنه مهما اختلفوا في بعض وجهات النظر، سيبقون على قلب رجل واحد أقوياء متحدين، أمام أي خطر يواجههم، لا تنازعهم الأهواء ولا تهزهم المصالح. ويؤكد المراقبون أن هذا التأييد يمنح السعودية بقيادة الملك سلمان الحرية اللازمة والضمانة الكافية، في التعامل مع كل ملفات المنطقة، وبذل كل ما من شأنه توحيد الصف الخليجي، وبناء موقف صلب، تجاه ما يحدث من تدخلات إيرانية في اليمن وسوريا والعراق. ووفقًا لتقارير غربية، فإن توقيت الجولة يحمل أكثر من مغزى وهدف، فهو يأتي بعد انتهاء ولاية الرئيس الأمريكي أوباما المهادن لإيران، وتطلع الخليج إلى موقف آخر مختلف من الجمهوري (ترامب) الذي وعد بإنهاء صراعات الشرق الأوسط، كما أنها تأتي وسط مطالبة السعودية وأشقائها في المجلس المجتمع الدولي بسرعة إنقاذ الشعب السوري، وإنهاء المجازر الدامية في حلب، ومواجهة المخططات الإيرانية التوسعية في المنطقة. ويؤكد خبراء خليجيون أن الجولة أسست لخطوات مهمة مستقبلية لتطوير أداء ومنهجية التعاون بين دول الخليج، وبما يجعلها منظومة متكاملة تحمل في برامجها وقراراتها ما يؤهلها فيما بعد لأن تكون كتلة اقتصادية واحدة، يسبقها اتحاد فيدرالي خليجي، يزيد من ثقل المنطقة سياسيًا وعسكريًا، ويجعلها قادرة على مواجهة كل المخاطر والتحديات. ومن النتائج الإيجابية للجولة أيضًا، نجاحها في زيادة تمسك حلفاء المملكة والدول الغربية الصديقة بعلاقات استراتيجية قوية مع الخليج رغم المصالح الدولية المتضاربة، وما حرص "تيريزا ماي" رئيسة وزراء بريطانيا على حضور القمة الخليجية كضيفة شرف، وعلى تعزيز الشراكة مع المملكة وبقية دول المجلس إلا دليل على مكانة الملك سلمان دوليًا، وثقة الغرب في منطقة تعيش تطورًا اقتصاديًا وتنمويًا غير مسبوق، وينتظرها مستقبل واعد استثماريًا. ويكفي قولها: "رخاء الخليج من رخاء بريطانيا، وسنعمل مع العرب في سوريا لأنهم وقفوا مع بريطانيا في الأزمات ". وأعادت الجولة التأكيد على قرارات مصيرية سياسية وعسكرية تكمن خلاصتها في أن جميع دول الخليج لن تقبل بوجود إيراني على حدودها في اليمن عبر الحوثيين، حتى ولو استمرت الحرب عشرات السنين، ولم يتم التوصل إلى اتفاق أو حل سياسي يحفظ حقوق الشعب اليمني، ويعيد لحكومته الشرعية المغتصبة. وبجانب الرسائل السياسية المهمة التي أرسلتها جولة سلمان إلى العالم، أثمرت الجولة عن مشاريع مستقبلية، أمر الملك سلمان بدراستها سريعًا؛ لإدخالها حيز التنفيذ الفعلي، ومنها على سبيل المثال: السعي لتوحيد العملة والجمارك، وتأسيس تكتل اقتصادي دولي جديد ينافس كل التكتلات الأخرى العالمية، وإنشاء جسر آخر جديد يربط السعودية بمملكة البحرين، وغيرها من المشاريع المهمة التي تخدم الإنسان الخليجي، وتعمل على تنميته حضاريًا وتمكينه من التواصل والتحرك والاستثمار والعلاج بسهولة ويسر، وتعزز من انتمائه لدينه ووطنه وولائه لقادته، وتزرع بداخله الأمل في غد أكثر إشراقًا. يذكر أن خادم الحرمين الشريفين كان قد قام بجولة هي الأولى له في الخليج بعد توليه الحكم في الثالث والعشرين من يناير الماضي، قام خلالها بزيارة أربع دول دفعة واحدة، بدأها بالإمارات، تلاها بقطر، فالبحرين ثم الكويت، أجرى خلالها مباحثات مهمة مع أشقائه الملوك والأمراء، وشاركهم همومهم وقضاياهم السياسية والاقتصادية والأمنية في قمة المنامة، ونجح في إزالة الكثير من العقبات التي تعرقل مسيرة التعاون الخليجي المشترك. واتخذ معهم موقفًا موحدًا تجاه التهديدات الإيرانية، ومجمل الأوضاع والتطورات السياسية على الساحتين الإقليمية والعربية.