حرصت عند الاحتفاء باليوم العالمي للمعلم 2016 على قراءة كل المقالات والتقارير في صحفنا الورقية والإلكترونية، وتابعت باهتمام جميع المناشط العلمية التي قامت بها كثير من الجامعات ووجدتها تمحورت حول أهمية إعادة الاعتبار لمهنة المعلم بالدرجة الأولى وتطوير الكليات التربوية في الجامعات السعودية والعناية بحقوق المعلم المالية وحثه على أداء واجباته. وبنظرة أبعد قليلاً فقد أثبتت نتائج العديد من الدراسات العلمية النظرية والتجريبية أن أداء منظومة التعليم في بلادنا ضعيف جداً ولا يتناسب مع مكانة المملكة ومتطلبات تنميتها ودورها الحضاري ولا حتى مع حجم الإنفاق المالي على هذه المنظومة منذ عشرات السنين، والنتيجة الطبيعية ضعف الكفاءة الداخلية والخارجية والتنسيق والتكامل الأفقي والرأسي للمنظومة التعليمية بوجه عام. ويكاد يجمع التربويين ورجال الفكر والثقافة وحتى عامة الناس أن المعلم هو حجر الزاوية والقلب النابض في نجاح أي منظومة تعليمية وهي حقيقة مطلقة لا غبار عليها، ولأنها كذلك فالواجب على صناع القرار ومطوري العملية التربوية تركيز جهود الإصلاح على هذا المدخل باعتباره أهم مدخل من مدخلات كليات التربية والمحور الأهم في تطوير المدخلات الأخرى كالمناهج وتقنيات التعليم وتهيئة البيئة وغيرها. ولضمان نجاح جهود تطوير المعلم فإن ذلك يتطلب تطوير منظومة كليات التربية بوجه عام لتتناغم هذه المنظومة وتتفاعل مع حجر زوايتها الرئيس. وقد ناديت ذات مرة بإيقاف القبول بشكل مؤقت في الكليات التربوية التي يتجاوز عددها ثلاثين كلية بمختلف الجامعات السعودية خاصة في ظل توفر آلاف الخريجين على قوائم الانتظار بغرض إعادة هيكلة الكليات وإعادة هندسة برامجها وعملياتها بشكل مختلف عن مشاريع التطوير التقليدية ومشاريع الإصلاح البسيطة التي لم تلامس عمق المشكلات البشرية والإدارية والتعليمية في هذا الكليات فجاءت نتائجها دون المأمول. ولأننا نتجه نحو مرحلة تحول حقيقي بعد إعلان رؤية المملكة 2030 التي يعتمد تحقيقها على نجاح منظومة التعليم في القيام بأدوارها كما ينبغي كان لزاماً المناداة مرة أخرى بإيقاف القبول في الكليات التربوية لفترة مؤقتة تتراوح من عام إلى عامين يتم خلالها إعداد مشروع تطوير حقيقي لمنظومة التعليم ككل في المملكة العربية السعودية يتناسب ورؤية 2030 يبدأ من الجذور بإعادة صياغة فلسفة التعليم العتيقة وأهدافه ونمط إداراته وهياكله التنظيمية وعلاقة منظوماته المختلفة ومستوى التنسيق والتكامل بمشاركة كل منظومات التعليم والمتمثلة في التعليم العام والتعليم العالي والمؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب المهني ومؤسسات التعليم العسكري ومعهد الإدارة العامة وهيئة تقويم التعليم ومراكز القياس والتقويم والقطاع التعليمي الخاص وممثلين للأسرة والمسجد، وعلى أن يراعي في هذا المشروع الوطني التركيز على الكليات التربوية في اتجاهين متوازيين أحدهما العناية بتنفيذ البرامج الحالية القائمة بإصلاحات بسيطة وبأقل قدر من الخسائر في الكفاءة الداخلية والخارجية، والآخر استحداث رؤية وأهداف وهياكل تنظيمية وبرامج جديدة ومختلفة للكليات التربوية، أرى من أهمها (1) جمع الكليات التربوية على مستوى المملكة في جامعة تربوية متخصصة تدرس كل العلوم التي تحتاجها مؤسسات التعليم العام ويمكن أن يكون لهذه الجامعة فروع محدودة بحكم المساحة الجغرافية الكبيرة للمملكة ولو اقتصرت الفروع على الجهات الأربع والوسط لكفى (2) يحوي الهيكل التنظيمي للجامعة التربوية المقترحة كليات تربوية مُتخصصة مثل كلية الإدارة التربوية وكلية علم النفس وكلية المناهج وطرق التدريس وكلية الشريعة وأصول التربية وكلية العلوم وغيرها ولكل كلية أقسامها أو تخصصاتها التي تتناسب مع احتياجات التعليم في مختلف المراحل (3) إعادة هندسة برامج الجامعة التربوية المقترحة بما يناسب ومتطلبات مراحل التعليم العام من الروضة وحتى الدكتوراه لتراعي تلك البرامج طبيعة المرحلة من حيث المتطلبات والاحتياجات وبحيث يكون لكل مرحلة معلميها المؤهلين والمتخصصين فيها (4) تقوم الجامعة التربوية المقترحة بتوفير البرامج التعليمية المعتمدة البكالوريوس والماجستير والدكتوراه بحيث تكون فترة الدراسة لمرحلة البكالوريوس خمسة أعوام دراسية ليكون العام الدراسي الأخير تطبيقي في مدارس التعليم العام وتكون مرحلة الماجستير عامين دراسيين مع بحث ميداني وتبقي مرحلة الدكتوراه كما هي الحال في الجامعات السعودية (5) المعلم الذي يرغب في تخصص تدريس المرحلة الابتدائية يلتزم بالحصول على درجة البكالوريوس والماجستير تباعاً ودون انقطاع ليعين بعدها في مدارس التعليم الابتدائي العام أو الخاص (6) المعلم الذي يرغب في تدريس المرحلة المتوسطة والثانوية تكون له الأولوية في إكمال مرحلة الماجستير بعد مرور فترة لا تقل عن ثلاث سنوات من ممارسةالعمل التعليمي في مدارس التعليم العام والخاص (7) تقتصر برامج الدبلومات التربوية التي تقدمها الجامعة التربوية المقترحة على الدبلومات المتخصصة في تطوير العمل التعليمي ورفع مستوى الأداء في مدارس التعليم العام والخاص كدبلوم القيادات التربوية ودبلوم مدراء المدارس وغيرها من الدبلومات المتخصصة التي تعزز مهارات العاملين في الميدان التربوي (8) عدم السماح لخريجي الكليات الأخرى بالحصول على الدبلوم العام في التربية وإلغاء هذا الدبلوم لتعمل الجامعة بالنظام التكاملي وليس التتابعي. وامتداداً لتطوير منظومة التعليم يتم العمل على إعادة هيكلة إدارات التعليم العام وإيجاد صيغة لإشراف الجامعة التربوية المتخصصة على أداء هذه الإدارات ومكاتب التعليم فيها والتطبيق الجاد لمشروع المعايير والرخص المهنية للمعلم. لقد أصبح الهم التربوي الهاجس الأكبر في الوقت المعاصر وأن التأخر عن تطوير منظومة التعليم سيؤثر سلباً على التوجه نحو تحقيق رؤية المملكة بل أكاد أجزم أن منظومة التعليم الحالية من المعوقات الرئيسية لها. د. طلال بن عبدالله الشريف