في هذه الأيام تواصلت حوادث الكلاب الضالة المسعورة في عدة مناطق بالمملكة، وكان آخرها ما شهدته منطقة القصيم من وفاة طفل ال 9 سنوات، الذي افترسه عدد من الكلاب الضالة، وقبله بأيام قتلت كلاب أخرى طفلًا في منطقة الجوف، فيما أدى هجوم هذه الفصائل من الكلاب على أحد المواطنين في شقراء إلى لزومه الفراش، وإصابته بالتهابات جلدية وتشنجات عصبية، مما حدى ببعض البلديات بالقيام بقتلها دفعًا لأذاها وحفظًا للأرواح والممتلكات، تطبيقًا لقاعدة "الضرر يزال"، فيما تحرج آخرون من قتلها، إذ وصف الدكتور محمود الخميس رئيس فرع الجمعية الطبية البيطرية السعودية بمحافظة القطيف التخلص من الحيوانات بطريقة تقديم طعوم مسمومة بالوحشي، وذلك بعد قيام بلدية المحافظة بقتل نحو 50 كلبًا بهذه الطريقة. "الوئام" طرحت القضية على المستشار القانوني والباحث في العلوم الشرعية الدكتور فلاح الجوفان، لتناولها من الناحية الشرعية، والذي أكد بدوره أن الشرع المطهر أمر بقتل الكلاب الضارة والمؤذية دفعًا لأذاها، وحفظًا للأرواح والممتلكات سواء أكان ذلك في الحل أو في الحرم، كما أمر بقتل الكلب الأسود البهيم والكلب الأسود ذي النقطتين، وحرم قتل ما عداها من الكلاب. وقال: "في أول الإسلام أمر النبي عليه الصلاة والسلام بقتل كل الكلاب دون استثناء، فأخذ الصحابة يقتلون أي كلب في المدينة أو حولها سواء كان فيه ضرر أم لا؟ وسواء كان يستخدم لمنفعة أم لا؟ ولما خشي عليه الصلاة والسلام على الكلاب الفناء نهى عن قتلها واستثنى الكلب الأسود البهيم و(وفي رواية الكلب الأسود ذي النقطتين) والكلب العقور؟ فقد أمر بقتلهما؛ أما الأول فلأنه شيطان، وأما الآخر فلأنه ضار"، فعن جابر بن عبدالله – رضي الله عنه – قال: أمَرَنا رَسُولُ اللهِ – صلى الله عليه وسلم – بِقَتْلِ الكِلابِ، حَتَّى إِنَّ المَرْأةَ تَقْدُمُ مِنَ البَادِيَةِ بِكَلْبِهَا فَنَقْتُلُهُ، ثُمَّ نَهَى النَّبيُّ – صلى الله عليه وسلم – عَنْ قَتْلِهَا، وَقَال:َ "عَلَيْكُمْ بِالأسْوَدِ البَهِيمِ ذِي النُّقْطَتَيْنِ فَإنَّهُ شَيْطَانٌ". رواه مسلم، وعن عبدالله بن مغفَّل عن النَّبيِّ – صلى الله عليه وسلم – قال: "لَوْلاَ أَنَّ الكِلاَبَ أمَّةٌ مِنَ الأمَمِ لأمَرْتُ بِقَتْلِهَا فَاقْتُلُوا كُلَّ أسْوَدَ بَهِيمٍ" رواه الترمذي وصححه، وأبو داود والنسائي وابن ماجه، وصححه الألباني في "صحيح الترمذي". قال النووي – رحمه الله -: "معنى (البهيم): الخالص السواد، وأما النقطتان: فهما نقطتان معروفتان بيضاوان فوق عينيه، وهذا مشاهد معروف "شرح مسلم" 10 / 237″. وأضاف الجوفان قائلًا: "عائشة – رضي الله عنها – قالتْ: قال رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم -: "خَمْسُ فَوَاسِقَ يُقْتَلْنَ في الحِلِّ وَالحَرَمِ: الغُرَابُ وَالحِدَأةُ وَالعَقْرَبُ وَالفَأرَةُ وَالكَلْبُ العَقُورُ". رواه البخاري ومسلم، وفي لفظ لمسلم "الحيَّة" بدلًا من "العقرب"، فكل حيوان يهجم على الناس ويضر بهم ويخيفهم فيجب قتله، قال الإمام مالك -رحمه الله-: "إنَّ كلَّ ما عقر النَّاسَ وعدا عليهم وأخافهم مثل الأسد والنَّمِر والفهد والذئب: فهو الكلب العقور"، "الموطأ". وتابع: "ومن هذا الأحاديث يتبين لنا أن النبي – صلى الله عليه وسلم – أمر بقتل الكلاب كلها، ثم نسخ الأمر ونهى عن قتلها باستثناء الكلب الأسود البهيم، وذي النقطتين؛ والكلب العقور، فإنه يجوز قتلها؛ لما فيها من الضرر. ولفت إلى أن الخطابي- رحمه الله – قال: "معنى هذا الكلام: أنَّ النَّبيَّ – صلى الله عليه وسلم – كَرِه إفناءَ أمَّةٍ من الأمم، وإعدامَ جيلٍ من الخَلْق حتى يأتي عليه كله فلا يبقى منه باقيةٌ؛ لأنَّه ما مِن خلقٍ لله تعالى إلا وفيه نوعٌ مِن الحكمةِ وضربٌ من المصلحة، يقول: إذا كان الأمر على هذا ولا سبيل إلى قتلهن كلهن: فاقتلوا شرارهن وهي السود البهم، وأبقوا ما سواها، لتنتفعوا بهن في الحراسة"، "معالم السنن" – على هامش مختصر سنن أبي داود، وقال القاضي عياض – رحمه الله -: "عندي: أنَّ النهيَ أولًا كان نهيًا عامًّا عن اقتناء جميعها، وأمر بقتل جميعها، ثم نهى عن قتل ما سوى الأسود، ومنع الاقتناء في جميعها إلا كلب صيدٍ أو زرعٍ أو ماشية". وأشار إلى أن النووي قال: وهذا الذي قاله القاضي هو ظاهر الأحاديث، ويكون حديث ابن مغفل مخصوصًا بما سوى الأسود؛ لأنَّه عامٌّ، فيُخص منه الأسود بالحديث الآخر. "شرح مسلم للنووي". وأردف الجوفان: "قال الشيخ ابن عثيمين الكلاب نوعان؛ نوع يسن قتله، ونوع لا يقتل؛ فأما الذي يسن قتله فالكلب الأسود؛ لأنه شيطان. والكلب العقور؛ لأنه مؤذٍ. وأما سائر الكلاب فإنها لا تقتل". وأضاف: "وفي استفتاء أرسله قاضي محكمة طبرجل بناء على خطاب رئيس بلدية طبرجل عام 1412 ه للجنة الدائمة عن وجود بعض الكلاب التي تسبب الضرر من خلال قيام بعض الكلاب بافتراس الحيوانات التي يقوم بعض المواطنين بتربيتها في منازلهم، رغم وجودها في أحواش وشبوك، كما أن بعض الكلاب تسبب الرعب في نفوس الأطفال، خاصة بالليل، وعند الذهاب لصلاة العشاء والفجر، وكذلك كبار السن، وكثيرًا ما ينتشر في الكلاب (داء الكلب) وعند ذلك تلحق الضرر بمن تراه من المواطنين والحيوانات، كما ثبت في سنوات ماضية.. فقد أجابت اللجنة عليه في الفتوى رقم "16286" بقولها: بعد دراسة اللجنة له أجابت أن الكلب غير المؤذي لا يجوز قتله، ولا إلحاق الضرر به كما أن الكلب المؤذي بالعقر أو الافتراس أو فيه داء الكلب ونحو ذلك من الاعتداء والإخافة فهذا لا بأس بقتله بطريق لا يتعدى ضررها إلى غير المؤذي، وقد ثبت من حديث ابن عمر – رضي الله عنه -، عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: "خمس من الدواب يقتلن في الحل والحرم: الغراب والحدأة والعقرب والفأر والكلب العقور" متفق عليه. وتابع: "كما أن علماء اللجنة الدائمة قالوا: "الكلب المؤذي بالعقر، أو الافتراس، أو فيه داء الكَلَب، ونحو ذلك من الاعتداء والإخافة، فهذا لا بأس بقتله بطريق لا يتعدى ضررها إلى غير المؤذي" انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة "26 /201". وأضاف: "كما سأل مواطن علماء اللجنة قائلًا: في يوم من الأيام وجدت كلابًا تفترس واحدة من الغنم، ولم تقتلها، فقمت بعقر هذه الكلاب، علما بأن هذه الماشية لا أعلم لمن تكون، وحملتها ووضعتها في شبك مجاور للموقع، وتركتها، فأجابوا: "إذا كان الواقع كما ذكرت فعملك حسن، ولا شيء عليك، لأنك أنقذت مال أخيك المسلم من التلف، وأنت مثاب على ذلك إن شاء الله" "فتاوى اللجنة الدائمة" 26 /205.