دائماً ما كان الاقتصاد المحرك الأساس للسياسة، بل يصفه المختصون ب«جوهر العمل السياسي»، وبالتالي فإن التحالفات السياسية والعسكرية القوية والمتينة هي تلك التي تبنى على مصالح اقتصادية وحيوية مشتركة قوية ومستدامة، وهو ما يعني ترابطاً وتشابكاً في المصالح والمنافع، للدرجة التي يسعى كل طرف لتحقيق مصلحة الطرف الشريك؛ لأن في تحقيقها، والحفاظ عليها؛ استمرار لتحقيق مصالحه ومنافعه هو بالدرجة الأولى.. وهنا يتجلى ابداع وعمق وأهمية الرؤية السعودية 2030 التي أقرها المقام السامي الكريم مؤخراً، والتي اهتمت بهذا الأمر كمحور أساس من محاورها الثلاث الرئيسة، بل هي تشكل لب المحاور جميعا..»الاقتصاد».. والذي يعتمد على الانسان السعودي وقدراته، وتحمله للمسؤولية.. بالدرجة الأولى. لقد أشار سمو ولي ولي العهد – أيده الله- أن رؤيتنا الطموحة -والتي لا مناص لنا للعيش الكريم بغير تحقيقها- ترتكز على ثلاثة محاور رئيسة تشكل بمجملها نقاط القوة للمملكة العربية السعودية:- الأول: أن المملكة هي عمق العرب والمسلمين، كونها منبع الرسالة، ومهبط الوحي، ومنطلق العرب، دين، وعبادة، ولغة.. تاريخ وارث وحضارة.. ضاربة في أعماق التاريخ البشري آلاف السنين.. فهي منطلق القوة العربية والإسلامية.. فكراً وحضارة..عبر التاريخ.. فالرسول الكريم من هنا.. والصحابة الكرام من هنا.. والعرب الأقحاح جميعهم يرجعون إلى هنا. الثاني: امتلاك المملكة لقدرات استثمارية هائلة وضخمة.. محركة للاقتصاد الدولي، وتشكل بذلك موارد إضافية للوطن. الثالث: استثمار الموقع الاستراتيجي للمملكة بوصفها بوابة للعالم.. وتربط ثلاث قارات.. يقول سمو ولي ولي العهد – يحفظه الله- : «أهم ثلاث مضائق بحرية في العالم، تقريباً 30% من التجارة البحرية العالمية تمر من خلال المملكة.. والآن بعد جسر الملك سلمان بين مصر والسعودية .. قد يكون أهم معبر بري في العالم موجود لديك.. جزء كبير جداً من التجارة بين آسيا وافريقيا.. وأوربا وآسيا.. يمر من خلال المملكة». هذه الرؤية.. يمثل العمل على تحقيقها الآن الأولوية القصوى للمملكة، أولوية عُليا (Supreme Interest)، ترتبط بكينونة الدولة وبقاءها، وليست مجرد ترف! وينبغي أن تتبوء هذه الرؤية اليوم مكاناً عَلياً، يشغل فكر المسؤولين على مدار الساعة، ويعمل على تحقيقها جميع المواطنين العاملين، من موظفي الدولة، إلى رجال الأعمال والاقتصاد والصناعة، إلى موظفي القطاع الخاص، وجميع الفئات، بمختلف الشرائح، وهو ما يستدعي عملاً توعوياً جباراً، يشكل الباحثون والإعلاميون مرتكزه الأساس.. فهذه الرؤية باختصار هي مستقبلنا ومستقبل أبنائنا والأجيال القادمة. هذه الرؤية تحدد شكل هذا الوطن.. ومستقبل هذا الدين.. على المدى المنظور. لذا فالعمل عليها عمل ندين الله به، يلزمه الإخلاص، بالقول والعلم والعمل.. والله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه.. فهل ينقصنا شيء؟!.. يسعى السعوديون من خلال هذه الرؤية لأن تواصل المملكة تقدمها في مجالات الاقتصاد والتنمية المستدامة والصحة والعلوم والتكنلوجيا، ولترفع من درجة ترتيبها بين الاقتصاديات العالمية، والقوى الدولية، والتي تأتي حالياً ضمن مجموعة العشرين الأقوى اقتصادياً في العالم. كلنا يعلم أن اقتصاد المملكة قائم – في الوقت الراهن – على إنتاج النفط ومشتقاته.. وأن النفط سلعة مؤقتة.. لذا ينبغي الالتفات لمصادر قوتنا الحقيقية واستثمارها الاستثمار الأمثل.. وليكون النفط سلعة ضمن السلع والخدمات التي نستفيد منها.. وتشكل مصدر دخل الوطن.. وليس هو السلعة الوحيدة، ومصدر الدخل الوحيد الذي نعتمد عليه.. والذي لو نضب أو مضى.. مضت حضارتنا معه! الجانب المهم من هذه المقالة، والذي لم أتطرق له بعد.. هو أعظم واكبر دولة قادمة في العالم الحديث.. جمهورية الصين الشعبية.. الدولة الأولى بعدد السكان، وثاني أقوى اقتصاد عالمي,, بل هي تعد اليوم المحرك الاقتصادي الأول في العالم.. وهي قوة سياسية وعسكرية وصناعية عظمى. وتقدر المملكة ومكانتها السياسية والدينية والاقتصادية والقومية والأمنية تقديراً عالياً رفيعاً.. وتتطلع إلينا بكل شغف.. وتاريخ علاقتنا معها ضارب في أعماق التاريخ.. وليس آخره التعاون العسكري الاستراتيجي والذي ولد منظومة الصورايخ السعودية الاستراتيجة.. إن الصين اليوم قوة عظمى.. وهي في الغد تنين عظيم.. يعلم أن مصالحه الكبرى معنا.. ونحن نعلم أن مصالحنا الكبرى معه.. وهاهو يسوق بكل جد واجتهاد لمشروعه التجاري الاقتصادي العظيم «طريق الحرير الجديد» أو»الطريق والحزام» والذي سيكون القوة الدافعة الأساسية للاقتصاد العالمي خلال القرن الواحد والعشرين . يقول القادة الصينيون: « إنه سيعزز العلاقات بين الصين والمملكة ودول مجلس التعاون ومصر والأردن والسودان وجيبوتي واليمن.. مشروعات كبرى في مجالات البنية التحتية والخدمات الملاحية والطيران والنقل والاتصالات والطاقة». ونحن في المملكة وفي جمهورية مصر العربية الشقيقة – جناحا الأمة العربية والإسلامية- وبقية أشقائنا في دول مجلس التعاون الخليجي والمملكة الأردنية الهاشمية والسودان وجيبوتي واليمن .. نفتح جميعاً للتنين الصيني العظيم ذراعينا بكل محبة واحترام وتقدير. فأهلاً بالصين.. شريكاً استراتيجياً على كافة المستويات والأصعدة.. نقلا عن الجزيرة