لم تفاجئني تسريبات بنود ملامح الرؤية الوطنية الطموحة المدهشة، قبل إعلانها رسميَّاً بعد ظهر الاثنين 18/7/1437ه، الموافق 25/4/2016 م، في ذلك اللقاء التاريخي الثَّر الشيِّق، بكل ما عبَّرت عنه من طموح وشموخ وشفافية ووضوح، وهمَّة عالية تناطح عنان السماء، ونيَّة صادقة كصدق المؤسس عبد العزيز آل سعود، طيَّب الله ثراه، وعزيمة ماضية كعزمه، وحزم واثق بالله كحزم قائد مسيرتنا اليوم سلمان؛ وفكر متقدم يسابق الزمن بخطىً حثيثة نحو المجد المؤثل، ليحتل مكانه ضمن العالم الأول. فذلك فعل يليق بوطن يخترق الصفوف كالشهاب الثاقب نحو عالم الكبار، الذين يتحكمون في مصير العالم، ويرسمون سياساته، ويحددون اتجاهاته؛ ويرفض أن يكون من جوقة المتفرجين في المقاعد الخلفية؛ لأنه يدرك مكانة ما أؤتمن عليه من رسالة سامية وأهميتها، ودورها العظيم في الخلافة في الأرض. غير عابئ بتحديات منطقتنا الملتهبة، المثقلة بأحداث جسام.. التي شهدت، وما تزال تشهد، بل ستظل كذلك إلى الأبد، بسبب موقعها الجيوسياسي في قلب العالم، وما حباها به المنعم الوهاب من خيرات.. منطقة شهدت حراكاً سياسياً مثخناً، استغله مؤخراً الطفيليون وتجار السلاح والدم والأعراض ومافيا المخدرات، لإشعال فتيل الطائفية؛ لتتحول الصراعات الجدلية لاشتباك مسلح فوضويٍ دامٍ في كثير من دول المنطقة، عبر حروب الوكالة للأسف الشديد؛ سعياً لتوفير بيئة (نتنة) لا يعرف أولئك الفاسدين الحياة بعيداً عنها؛ لأنها للأسف أيضاً، تمثل مرتعاً خصباً لخيالهم المريض. أمَّا وقد أفصح صاحب السمو الملكي، الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود، حفظه الله ورعاه، ولي ولي العهد، النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء، وزير الدفاع، رئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، الذي شرَّفه المليك المفدى بإعداد تلك الرؤية الاستثنائية الفريدة؛ أمَّا وقد أفصح سموَّه الكريم عن تلك الملامح الطموحة الذكية بشفافية منقطعة النظير، حقَّ لنا نحن السعوديين جميعاً، الفخر والاعتزاز بهذا المشروع التحولي الرائد؛ الذي جاء متناغماً مع سياسة حكومتنا الرشيدة، متسقاً مع حاجات العصر، مستجيباً لرغبات المجتمع ومحققاً لأحلامه؛ إثر تطلع الجميع لتحديث جوهري شامل؛ يتحول من حالة الأحلام والأمنيات إلى حقيقة ماثلة للعيان، ترتج الدنيا من رجع صداها، فضلاً عمَّا تشيعه في نفس أبناء الوطن الأوفياء وبناته من فرح وبهجة وسرور وارتياح، يدعم رص لبنات لحمتنا الوطنية المتينة، ويرسِّخ التحامنا مع قيادتنا الوفية النبيلة؛ مخلِّفاً الحسرة واللوعة والأسى، وكل معاني الهزيمة الساحقة في نفس المرجفين الحاقدين الحاسدين الناقمين، أعداء النجاح المتحفزين دوماً للشماتة والخذلان. فليمت أولئك المرجفين بغيظهم؛ إذ لم يعد (البترودولار) همَّنا الأول، أو مصدر رزقنا الأوحد، أو محط آمالنا وغاية أمنياتنا؛ زاد سعره أو نقص. فقد سبق لآبائنا الكرام السير على خطى أجدادنا العظماء وأسلافنا الشجعان، الذين علَّموا الدنيا كل ما تتباهى به اليوم من حضارة ومدنية؛ فافترشوا الأرض والتحفوا السماء، وأسسوا لنا وطن الإباء والشمم هذا، الذي ليس كمثله في الدنيا وطن؛ إثر اتحاد القبائل والمناطق والأهداف، وقبل هذا وذاك، اتحاد المبادئ والقلوب في فسيفساء لم يعرف العالم لها مثيلاً؛ بقيادة المؤسس والد الجميع الملك عبد العزيز آل سعود، المتوكل دوماً على الودود. ليجتمع الكل على قلب رجل واحد، تحت راية رسولنا الكريم سيدنا محمد بن عبد الله، عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.. حدث هذا قبل النفط بزمن طويل؛ فنحن إذن نتكئ على إرث عظيم وحضارة مستنيرة ورصيد هائل من القيم والمبادئ الفريدة، التي تنطوي عليها رسالتنا السامية الأصيلة.. فقد شرَّفنا ربُّنا عزَّ و جل بأول بيت وضع للناس في الكون، وجعل مثوى خاتم رسله الذي أرسله رحمة للعالمين عندنا؛ وتلك لعمري نعمة ما بعدها نعمة، ومنَّة ليس أعظم منها منَّة.. نسأل الله أن يعيننا على شكرها ولا يحرمنا خيرها إلى الأبد. ولعلَّنا نستحضر جيِّداً، ونحن نخطو خطوة الألف ميل الأولى في الاتجاه الصحيح، ضرورة المشاركة الفعَّالة لتحقيق الأهداف المنشودة، من خلال التفاعل الوطني الايجابي، الذي يعضِّد البناء ويقويه ويرسخه؛ فالأوطان تزدهر بسواعد أبنائها وبناتها، ووعيهم بأهمية جهدهم في مسيرة البناء والتحول، ودورهم في نهضة بلادهم وتقدمها؛ في وطن أدرك القائمون على أمره أهمية القيم الاجتماعية التي لا تقبل المساس، لاسيما تلك المتعلقة بأصول شرعية واضحة لا تحتمل التأويل والتبديل. أمَّا اليوم، وقد انطلقت مسيرة مرحلة جديدة، لا بد لي أن أشير إلى ضرورة تأصيل رؤيتنا الوطنية، لتظل راسخة عميقاً في الوجدان، حاضرة دوماً في الأذهان، لا تصل إليها يد النسيان مهما تعاقب الحدثان؛ من خلال الاستعانة بالإعلام التقني الحديث؛ كاعتماد الساعات الإلكترونية وانتشارها في كل مكان؛ مثلما نرى في بعض المشروعات الوطنية الرائدة. مما يدعم جهدنا لاختصار الزمن لتحقيق الواقع، فكما يعلم الجميع، يعد الوقت أهم عامل حاسم في إنجاز أي عمل؛ وليس الحلم كما قال صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، عرَّاب رؤيتنا الوطنية الفريدة هذه. وصحيح، لسنا هنا بصدد تفصيل النتائج الإيجابية لمشروع وطني طموح، مشروع دولة كبيرة رائدة، حظيت بثقة شعوب العالم، فعجزت جحافل المخذِّلين عن تعطيل عجلة التنمية المستنيرة المتصلة، الواثقة بربِّها وقدرات شعبها وعزيمة قادتها؛ معتمدة الفعل لا القول؛ والكيف لا الكم؛ بعيداً عن شعارات المطبلين المنتفعين، الذين لا يهمهم غير ما يصل إلى جيوبهم من أموال بالحرام أو الحلال. فنحن أمة تسعى للمجد منذ خلقت، وستبقى بلادنا إن شاء الله، بتوفيقه سبحانه، وسواعدنا جميعاً، وهمَّة قادتنا الكرام وطموحهم، ستبقى بلادنا كما أرادها المؤسس: منارة للخير، وواحة للسلام، ويداً قوية لنصرة المظلوم، ونجدة المستغيث، ومساعدة المحتاج، وقوة ضاربة لكبت كيد الأعداء والمتآمرين، واجتثاث شأفة الإرهاب، لينعم العالم كله بالأمن والاستقرار، فذلك كله من صميم رسالتنا التي من أجلها خلقنا. فلنبقى كما عرفنا العالم منذ بزوغ فجر دولتنا المجيدة الشامخة الرَّاسخة، يداً واحداً خلف قيادتنا الرشيدة، سعياً لتحقيق ما ينشده لنا خادم الحرمين الشريفين، مليكنا المفدى سلمان، وولي عهده وولي ولي عهده، حفظهم الله ورعاهم؛ الساهرين على أمننا، الساعين دوماً لرفعتنا ورفاهيتنا واستقرار بلادنا وريادتها بين الأمم.. وليس الأمر بعزيز على توفيق الله، وصدق القيادة وعزمها، ووحدة الأمة واجتماع كلمتها. فليكن كل واحد منَّا سهماً للخير في كنانة هذا الوطن الذي يصفه قائده سلمان دائماً أنه يد طويلة للخير.. فلا يرضى أي منَّا بأقل من هذا. بقلم : اللواء الركن م. الدكتور بندر بن عبد الله بن تركي آل سعود