بهدوء تام ومن دون تعصب أو تشنج عبر وزير الخارجية عادل الجبير عن مدى قوة الدولة السعودية، وجسد بكلماته الواعية والمؤثرة رؤية المملكة قيادة وحكومة وشعبًا للتحديات التي يواجهها العالم والمنطقة، وشخص عن بصيرة وخبرة الداء الذي تعاني منه المنطقة العربية، عندما أعلن أمام حشد دولي في مؤتمر ميونخ للأمن أن التناحر الطائفي هو السبب الرئيسي، محذرًا من مغبة تفشيه وتمدده عبر بعض الأنظمة العربية والإقليمية، مطالبًا برحيل الأسد باعتباره أحد أهم المصادر التي تغذي الإرهاب والتطرف في المنطقة، وسببًا في عدم استقرارها، وفي توغل تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" في أجزاء كبيرة من أراضيها، واصفًا الأسد بأنه جاذب الإرهاب في المنطقة، مؤكدًا أن رحيله سيلغي البيئة الخصبة لتنظيم "داعش" مشيرًا إلى أنه أول من أطلق مسلحي داعش من السجون، وهو يعلم جيدًا أنهم لا ينتمون للدين الإسلامي بأي صلة. وبكل ثقة، أكد الجبير أيضًا قدرة السعودية على قيادة تحالفات دولية والتحرك السريع سياسيًا وعسكريًا للدفاع عن قضايا المنطقة والشعوب المجاورة، دون أية أطماع هنا أو هناك وأعلنها صريحة "هذا هو هدفنا وسوف نحققه.. إلى أن يحدث التغيير في سوريا وتتم هزيمة "داعش". كلمات الجبير الموجزة، كانت أشد وأقوى من كل رصاص الشائعات المغرضة التي تتهم المملكة بأنها تحارب في اليمن من أجل أطماع معينة، وتريد توجيه قوات برية لسوريا لتحقيق أهداف محددة، عندما قال: "ليس لدى السعودية طموحات لتجاوز حدودها"، كاشفًا للعالم أجمع السبب الحقيقي للتحرك السعودي سياسيًا ودبلوماسيًا وعسكريًا في الجنوب هو إنقاذ دولة شقيقة، بدعم الحكومة الشرعية ومنع الحوثيين والميلشيات المدعومة من إيران وحزب الله من السيطرة على اليمن، ومن ثم تهديد المنطقة كلها بالتطرف والصواريخ الباليستية. وحملت كلمة الجبير، إستراتيجية المملكة، لمواجهة تلك التحديات، وهي العمل الجماعي من قبل كل الأطراف، والوقوف دائمًا مع كل الدول المجاورة لمساعدتها على مواجهة تحديات الإرهاب وتحقيق التنمية. فضلاً عن التعامل بأكثر من طريقة مع الأحداث والأوضاع الإقليمية والدولية، وتعظيم الاستفادة من القوة الاقتصادية والمكانة الدينية الكبيرة للمملكة، وتوظيف الدبلوماسية المرنة والشجاعة لتحقيق استقرار المنطقة والدفاع عن كرامة العرب والدين الإسلامي في المحافل الدولية والمنظمات الأممية. فتلك هي السعودية، التي تعيش الآن مرحلة مختلفة في عهد الملك سلمان بن عبد العزيز، تستوجبها التغيرات التي حدثت في العظشرق الاوسط تحديدا أصبحت من خلالها دولة صانعة للقرار العالمي والإقليمي، وهو ما أعلنه الجبير للعالم بقوله: "تعاملنا مع التحديات بعدة طرق لم يعتدها العالم". إن قدرة السعودية على قيادة تحالفات سياسية وعسكرية بهذه الضخامة والقوة، في هذا الوقت العصيب الذي يعاني فيه العالم من أزمات سياسية معقدة ومتشابكة ويعاني فيه العرب من الانقسام والتفكك والطائفية، يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك نجاح المملكة في فرض كلمتها وترجمة خططها إلى أفعال، وأن قائدها يسير بخطى ثابتة ومدروسة لتعزيز قوتها السياسية والعسكرية، بعد أن أنجز الكثير والكثير لشعبه داخليًا، وحفظ له أمانه واستقراره، وهيأ له أسباب تقدمه ورفاهيته.