لا يحق لرجل الدولة أياً كان موقعه، أن يقوم بملاحقة فتاة بعرض الطريق وأمام مرأى ومسمع العالم، ومن ثم جرها وأيضاً سحلها، فقط لمجرد ملاحظة تصرف أو فعل بدر من الفتاة، قد لا يعتبر خارقاً للقانون أو خارجاً عن الدين. ما دعاني لكتابة هذه الأسطر، تلك الحادثة التي قضَّت مضاجع الكثير من السعوديين وغيرهم، والمتعلقة بفتاة النخيل مول، حيث إن ملابسات القضية بانت بعد بيان هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وخاصة ما ورد فيه، بأن فرقة الهيئة التي باشرت الحادثة، لم تلتزم بالأنظمة والتعليمات المتعلقة بآلية الضبط والتوقيف. وأقول هنا، بل إن أولئك وأمثالهم يتصرفون مع بعض أفراد المجتمع باجتهاداتهم وانتصاراً لرأيهم وموقفهم، وكما قال المحامي المعروف "عبدالرحمن اللاحم"، إن جماجم أولئك الأشخاص ليست مصادر التشريع في السعودية. البيان اشتمل على مقولة "الهيئة لا تقبل التجاوز على منسوبيها، وأنها ستتخذ الإجراءات المناسبة في حال حدوث ذلك"، وهنا أفهم أنها إشارة إلى العصمة، إلا إذا كان المقصد من التجاوزات تلك المحظورة أخلاقياً وقانونياً، وإلا لا يمكن أن نغلق أفواه الناس عن طرح آرائهم ونقدهم، خاصة بعد تجاوزات عدة من بعض أفراد الجهاز، بل يجوز النقد والتقويم، حتى وإن تم الاعتراف بالخطأ، وأن تكون الصدور رحبة لتقبل النصح، أما من يعتدي بالقول أو الفعل الجارح والمؤذي على الجهاز ورجاله ،فإن القانون كفيل بمحاسبته. أيها العضو، أليس من المحاذير التي ترفضها وتضبط الآخرين بسببها، كل من تحرش بفتاة أو لمسها أو مسك يدها "وهي ليست محرما له"؟ إذاً فمن الذي أعطاك التشريع والحق والإذن والعصمة في أن تفعل مثله؟ ولتعلم أن الرجال لا يرضونه لأمهاتهم ولا لأخواتهم ولا لبناتهم ولا لزوجاتهم. هل يعلم أولئك الأعضاء الذين ضرّوا أكثر مما نفعوا، أن ما شيدته السعودية خلال عام منصرم، لأجل تحسين صورتها أمام العالم، من خلال رد كل التهم والتشويهات في كثير من الجوانب والقضايا، هدّه أولئك الخارجين عن القانون في عدة قضايا،وخلال أيام فقط. وفي نظرة عامة، وبدون غض النظر عن الإيجابيات الأخرى، ولكن بعد رصد عدة أحداث، يشعر المراقب أن جهاز الهيئة أسس فقط ل"المرأة" وما في حكمها، وأنه شغلها الشاغل، فلماذا يتسبب البعض في تشويه سمعة مرجعة، بل وقد يكون سبباً في ضم هذا الجهاز إلى قطاع آخر وتحت مسؤوليته!! التلويح أو التصريح، بأن رجل هذا الجهاز مهمته حفظ العرض والشرف والدفاع عن محارم رجال المجتمع وأنه أحرص على المرأة منكم، ليس واقعاً وحقيقياً، ولا حتى في أنظمة وقوانين الجهاز الحكومي، بل ولا في الدين أيضاً، بل وهو قذف في حق الرجال وغيرتهم. الشيء بالشيء يذكر، يجتمع الناس رجالاً ونساء في مناسبات وطنية عدة، وأحياناً لا يكون لأعضاء الهيئة أي تواجد في زوايا منه، فلا نرى تحرشاً أو تعدياً، بل نشاهد رقياً واحتراماً، بل وشهامة في الأخلاق. إنَّ المفترض في عضو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، اكتمال جميع مقوّمات الشخصية الإنسانية في الفكر والعاطفة والسلوك، لتكون منسجمة مع المنهج الإلهي في الحياة، وتكون هذه المقومات متطابقة مع بعضها، فلا ازدواجية بين الفكر والعاطفة، ولا بينهما وبين السلوك، فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يكمن في "الأخلاق والتعامل" وليس بالشك والتتبع والتجسس والوصاية. وأخيراً.. أنا انتقدت دائرة حكومية، وبعض موظفيها، ولم أمس الدين الاسلامي أو أعترض على شعيرته.